منذ عدة سنوات، اتصل بى -عن غير معرفة- صاحب إحدى دور النشر الإسلامية لإهدائى كتاباً حول «الإخوان المسلمين والأقباط»، ودعانى للكتابة عنه بعد قراءته. من جانبى وعدته بإبداء رأيى بعد زيارة الكتاب بشكل معمق. لم تطل مدة القراءة. قلبت صفحاته، فوجدته إعادة إنتاج لبيانات سياسية وروايات معروفة، لم يرجع الكاتب لدراسات قام بها باحثون معتبرون فى هذا المجال من المسلمين والأقباط على السواء، ولم يكتشف خرائط فكرية على الجانبين. عدت إلى الناشر شاكراً على الإهداء، ومعتذراً عن عدم الكتابة. على مدار عقود، لم يبرز باحث إسلامى التوجه، يبحث فى العلاقة بين التيار الإسلامى والأقباط من منظور بحثى يخوض المناطق الشائكة، ويكتشف المختلف دينياً فى تنوعه، وحضوره الثقافى، وإسهامه الوطنى. بعض من تصدوا لهذا الملف تخندقوا مدافعين عن مشروعهم ومهاجمين لمنتقديهم، وغالى نفر منهم فى رصد خطوط الانقسام وتقوية رياح التعصب، الكتاب الذى صدر مؤخراً بعنوان: «فتنة طائفية أم شرارة الصراع على الهوية» للكاتب عبدالله الطحاوى يمثل محاولة انفتاح على خريطة التنوع القبطى من باحث ينتمى إلى التيار الإسلامى، وعمل لسنوات فى إعلامه المطبوع والإلكترونى. الكتاب ليس عملاً مكتبياً، لكنه سجل متدفق من دراسات قام بها الكاتب على مدار سنوات من معايشة الحضور القبطى، هرب خلالها من شباك الاحتباس الفكرى التى لا تعرف سوى الأضداد المتصادمة دون فهم والتقاء. من العلامات البارزة فى الكتاب -الذى ظلمه عنوانه- أن مؤلفه آثر الخروج على النص فى فهم أبعاد الخريطة المعرفية للأقباط. كيان متنوع وليس كتلة صماء جامدة، كما يراها قطاع من الإسلاميين، قرأ الكاتب خطابات لاهوتية متباينة، ورصد خريطة المثقفين الأقباط على تنوعهم، لم يُقبل على القريبين من التيار الإسلامى فحسب، لكنه اقترب ممن يختلفون مع أطروحاته، وعرض لخبرات العيش المشترك الإسلامى المسيحى، وتعرض لخطابات التيار الإسلامى محتفياً ببعضها، ومنتقداً البعض الآخر، مما ساعد القارئ على الإطلالة على تنوع حضور الأقباط فى المجتمع ليس من المنطلق النمطى الاختزالى الذى يتعامل معهم بوصفهم كياناً خشبياً، ولكنه تعبير عن وجودهم الحى الفاعل والمتفاعل مع الوطن، يتأثرون بتقلباته السياسية، ويجتهدون فى التعامل معها. لم يكتف الكاتب بالخرائط التقليدية الكسولة التى ترسم الحضور القبطى فى المجتمع حصرياً فى القيادات الكنسية ووجهاء الحياة العامة من الأقباط، بل امتد ببصره ومتابعته لنشاط القيادات المدنية القبطية، التى شاركت رموزها لاحقاً فى المشهدين السياسى والثقافى طيلة العامين الماضيين. بالطبع هناك العديد من نقاط الاختلاف مع التحليلات التى خلص إليها عبدالله الطحاوى، أؤجل الخوض فيها عن قصد، رغبة فى الاحتفاء بجسارة المحاولة، والعمق المعرفى، واللغة المتطورة المستخدمة فى الكتاب، ولفت الانتباه إلى أهمية هذه النوعية من الكتابة الثقافية -النقدية والجدلية- من جيل جديد من الباحثين بعد ثورة 25 يناير.