عانى الصحفيون حقبة من الزمن فى العهد القديم البائد قبل ثورة الخامس والعشرين من يناير تكميم الأفواه وإسكات الأصوات الناطقة وتكسير أقلام الحق وإحكام القيود والأغلال على أيديهم الشريفة أثناء أداء مهمتهم، حيث كانت تعمل قوى الشر دائبة ومستميتة لإحكام السيطرة على الصحفيين وتتبعهم فى كل مكان ناهيك عما تعرض له الصحفيون من حبس وتعذيب وانتهاك لحقوق الإنسان ليس سوى أنهم يقومون بواجبهم على أكمل وجه من رصدٍ للحقائق وتتبعٍ للأحداث، الآن وبعد ثورة 25 يناير وبعدما خلعت مصر ثوبها القديم فإن تحرير الصحافة وحرية الصحفيين وكسر القيود والأغلال التى كانت تحيط أيادى الصحفيين الشرفاء هى قضية القضايا الآن، لا سيما أننا ما زلنا نعيش مرحلة انتقالية شديدة الصعوبة والتشابك والتعقيد، لأنها انتقال من الاستبداد والظلم والفساد إلى الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية؛ لأجل هذا فإن الصحافة تؤدى دوراً أساسياً ومهماً فى هذه اللحظة الحاسمة من تاريخ مصر فى العصر الحديث، حيث تقوم برصد الحقائق التاريخية المتلاحقة ومتابعتها وكذلك الإبلاغ عن المخاطر المقبلة مثل الهجوم العسكرى أو الكساد الاقتصادى أو الانقضاض على الثورة مثلاً، وتقوم بدورٍ إيجابى غاية فى الأهمية، وهو وضع خطة لتطوير المجتمع وكذلك فإن الصحافة فى هذه المرحلة تعنى بالإصلاح السياسى والاقتصادى وشتى مجالات الحياة، وإذا ساغ لنا أن نتحدث عن تحرير الصحافة، فإننا نستطيع أن نقول بكل صراحة ووضوح إن «روعة الحرية فى قيدها» هذا التعبير قد يبدو متناقضاً شكلاً ولكنه متوافق ومتوازن مضموناً ومعنى؛ لأن تحرير الصحافة وحرية الصحفيين لا تعنى الانفلات الأخلاقى ونشر الرذيلة، ف«قيدها» هنا يعنى ضبطها بمعايير الأخلاق، أى أنها تعنى باختصار شديد الحرية المنضبطة بالصالح العام، وإذا كنا حقا ننادى بإلغاء عقوبة الحبس للصحفيين الناتجة عن قضايا النشر، فليس معنى هذا أن يكون الأمر «سداح مداح» كما يقولون ولكننا فى المقابل نقول ينبغى أن تتم محاسبة الصحفيين من خلال المجلس الأعلى للصحافة ونقابة الصحفيين، فهما المنوطان بهذا الشأن وعلى دراية تامة بهذه المهنة الرفيعة، وأيضا الحرية هنا تعنى أن تفتح كل الأبواب المغلقة أمام الصحفيين التى تحول دون رصد الحقائق وتتبع الأحداث، لأجل هذا فإننا نطالب بوضع قانون يعاقب ويجرم أى مسئول -كائناً من كان- يتعدى على الصحفى أثناء مهمته؛ لأن هذه المهمة فى نهاية المطاف تصب فى خدمة المجتمع بأسره حيث أن الصحافة تشكل ثقافة المجتمع ولها علاقة مباشرة بتوجيه الرأى العام، فالصحفى فى نهاية المطاف هو الباحث عن الحقيقة الضائعة، وحرية الصحافة هنا لا تعنى أيضا المعارضة من أجل المعارضة، فالمعارضة ليست مهنة أو هواية، بل هى مسئولية أخلاقية وقيمة وطنية هدفها تحقيق العدالة والذود عن حقوق الناس والدفاع عن عقول المواطنين ومصالحهم، وبدون حرية التعبير يصبح النظام الديمقراطى نكتة سخيفة ونوعاً من الكوميديا السوداء ومن قواعد حرية التعبير أيضا التزام الصدق وتحرى الدقة وإلا أصبح الصحفى منبوذاً من القراء لعدم مصداقيته، كذلك من قواعد حرية التعبير عدم التطبيل والترويج الدعائى للمسئولين والحكومات وإلا فقدت الحرية قيمتها.