عندما نمسك بشىء ونلقى به إلى أعلى لماذا يهبط هذا الشىء سريعاً إلى الأرض مع أننا نقذف به نحو السماء؟ سؤال طالما فكر فيه وهو يلعب بطائرته الورقية التى صنعها بنفسه لم تمنحه الطائرة الإجابة عن سؤاله وإنما منحتها له التفاحة. إنه العالم الإنجليزى إسحاق نيوتن مكتشف قانون الجاذبية. فترى من هو «نيوتن»؟ وما سر التفاحة التى ألهمته أعظم اكتشاف خدم به البشرية فى مختلف المجالات؟ فى 25 ديسمبر 1642م جاء «نيوتن» إلى الدنيا بعد أن رحل عنها فى نفس العام العالم الفلكى الإيطالى الشهير جاليليو، وكأن العبقرية أرادت ألا يذهب واحد من أبنائها من دون أن تعوضه بابن آخر بار بها وبالعلم. برع «نيوتن» فى علم الرياضيات فى سنوات دراسته الأولى وتنبأ له أساتذته بمستقبل باهر وتحققت نبوءتهم مع الأيام. ففى أحد أيام عام 1665م وبينما «نيوتن» يجلس تحت شجرة تفاح فى إحدى الحدائق سقطت تفاحة أمامه..فكر «نيوتن» وسأل نفسه ما السر الذى يجعل التفاحة أو أى شىء آخر يسقط نحو الأرض ولا يرتفع للسماء؟ لا بد أن هناك قوة ما تجذب الأشياء لتسقط مندفعة بقوة نحو الأرض فإذا ألقينا بحجر من فوق أعلى الأبراج أو من أعلى قمة الجبل سقط بسرعة إلى الأرض. لابد أن تكون هذه القوة تمتد إلى القمر وإلى سائر الكواكب كما تمتد إلى أعالى الجبال وبهذه القوة يدور القمر حول الأرض وإلا فإنه يظل فى حالة ثبات مثل سائر الأشياء لو انقطعت عنها جاذبية الأرض. أخذ «نيوتن» فى إجراء دراساته وتوصل إلى أن جميع الأجسام ابتداء من أرق وأصغر الزهور إلى أضخم النجوم لا بد أنها تجذب بعضها البعض بنفس الطريقة، ومن هنا بحث «نيوتن» ووضع القوانين التى تحكم تلك القوة وأطلق عليها (قانون الجاذبية) الذى أصبح أساسا لعلم الفلك. وكان ل«نيوتن» أسلوب متفرد فى عمله فهو يضع نظرياته فى هدوء ولا يعلن عنها إلا بعد أن تكتمل تماماً ويجربها ويتأكد من صحتها. وكانت أولى نظرياته خاصة بالضوء فهو أول من اهتدى إلى أن الضوء يتكون من سبعة ألوان هى ألوان الطيف وعارض الكثير نظرية «نيوتن» ولكنه كان واثقاً من أبحاثه ولم ييأس وواصل دراساته فى قوانين انعكاس الضوء وانكساره ليصنع أول تليسكوب عاكس عام 1668م وهو نفس التليسكوب الذى كان يستخدم فى المراصد الفلكية حتى وقت قريب. اكتشف «نيوتن» حساب التفاضل والتكامل الذى هو أساس لكل العلوم النظرية الحديثة فاستطاع أن يغير حياة البشر وأن يؤثر فى حياتهم وفى فكرهم. فى عام 1669م تم تعيين «نيوتن» أستاذاً للرياضيات فى جامعة كمبردج وتم اختياره رئيساً للجمعية الملكية البريطانية عام 1703م تقديراً لمجهوداته العلمية ومنحته ملكة إنجلترا لقب (سير) وهو من أعلى وأرفع الألقاب ليصبح السير إسحاق نيوتن. كان «نيوتن» برغم علمه الغزير رجلاً شديد التواضع يعترف بفضل أساتذته فقد كان يقول: (إذا كان بصرى قد امتد إلى أبعد مما رأى غيرى فما رأيت بعيداً إلا لأننى كنت أقف على أكتاف الآخرين). فى مارس 1727م رحل «نيوتن» ودفن فى مقابر العظماء بلندن ونقشت على قبره هذه العبارة: (هنا يرقد السير نيوتن الفارس الذى كان مفسراً بارعاً حكيماً للطبيعة والتاريخ وأكد فى فلسفته جلال الله وكشف فى سلوكه عن بساطة الحياة). رحل «نيوتن» وبقيت إنجازاته حية تشهد له بالعبقرية كما شهدت بها تفاحة سقطت أمامه ولكنه وحده الذى اندهش وفكر وبحث فى سبب سقوطها وهذه هى بداية العبقرية.