كنت أرى جروحك يا مصر قبل الثورة فى ابتسامة الشباب المحبط المهموم، فى الفقراء الذين يتم رميهم على أرصفة المستشفيات العامة، فى النيل الملوث الحزين وهو يسترجع أمجاد الماضى، فى الأشباح الممسكة بمقشة الفقر والحرمان، فى الأسوار التى لم تقدر على إخفاء ما خلفها من بؤس وعشوائية. ولكن كانت هناك دائما بقعة ضوء بعيدة لا أستطيع التحقق منها ولكنها كانت حقيقة، تلك البقعة الضوئية التى كانت تأتى من كتب التاريخ ومن ذكر الله لكِ فى كتابه، كنت أبكى بحرقة عندما أستمع إلى «أم كلثوم» وهى تغنى «يا ليت كل مؤمن بعزها يحبها حبى لها». وأتت الثورة لتؤكد أن حبك كان كامنا فى القلوب. إن ثورتنا ليست دموية ولا انتقامية ولكنها إنسانية، فلا يمكن أن تستقيم الحياة وهناك أناس ثرواتهم لا تعد وآخرون عاجزون عن الحياة، فالعدل هو مفتاح ثورتنا البيضاء، ومن ثم لا يمكن الحديث عن السيناريوهات المرعبة أو الخوف من المجهول فى ظل هذه الثورة، فإن قلبى مطمئن، ولن أتركك مهما حدث لى ومهما حدث لك، لن أذهب للبحث عن المستقبل فى بلد غيرك، متناسية الزحام والغبار والفقر والبطالة والعنوسة، فهذه كلها ظروف عارضة، أما أنت يا مصر فإنك تسكنين الروح. ولكنى لست الأكثر حبا لك، فأنا لم أقدم لك شيئا، فها هم من أحبوك أكثر، قدموا لك أرواحهم وعيونهم وأجسادهم فداء لك، وبعد أن سكنت تلك الأرواح الطاهرة ثراك تكتمل أسطورة الحب المصرية التى لن يفهمها من لم يعشقك، فإنّ عشقك هو سر الروح وروحك هى أصل العشق. يقول توفيق الحكيم فى رواية «عودة الروح» على لسان عالم الآثار الفرنسى: «هؤلاء الفلاحون... ما زالوا يعون بقلوبهم، ولا يعلمون تلك العبارة التى كان أجدادهم يندبون بها موتاهم فى الجنائز: عندما يصير الوقت خلودا سنراك من جديد، لأنك صائر إلى هناك، حيث الكل فى واحد». وكما أشار فى تلك الرواية إلى عودة الروح للشعب المصرى فى ثورة 1919، فإن الروح قد عادت له من جديد فى ثورة 25 يناير ولن تموت.. عادت ولن تموت. ليلى رجب