يخطئ فى التقدير من يظن أن زيارة وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى لمصر كانت تستهدف رأب الصدع بين النظام والمعارضة ليقبل النظام الإخوانى فكرة تشكيل حكومة توافقية، وترضى المعارضة بالمشاركة فى الانتخابات النيابية، كذلك أختلف مع من يرون أن هذه الزيارة استهدفت نقل رسالة إلى الشعب المصرى والعالم، مفادها أن الإدارة الأمريكية تدعم نظام «مرسى»؛ فالواضح أن الولاياتالمتحدةالأمريكية بدأت تنفض يدها من ساكن «الاتحادية» ورجال «المقطم»، وأن زيارة «كيرى» للقاهرة ربما كانت تستهدف البحث عن بديل للنظام والرئيس الحاليين! نعم، قد تكون زيارة «البحث عن بديل»، وليست زيارة «دعم الإخوان ومرسيهم». وهى تتشابه إلى حد كبير مع الزيارة التى قام بها «كيرميت روزفلت» إلى مصر أوائل عام 1952، التى تواصل فيها مع عدد من أعضاء تنظيم الضباط الأحرار قبل أن يقوموا بحركتهم فى يوليو من العام نفسه، وعاد منها إلى الولاياتالمتحدة وفى جيبه ورقة تحمل اسم البديل المطروح لحكم الملك فاروق: «جمال عبدالناصر». وقد تتعجب أكثر إذا علمت أن زيارة «روزفلت» فى مصر كانت تستهدف فى الإطار المعلن دعم الملك فاروق، ومساعدته على القيام بثورة إصلاحية من داخل النظام الملكى نفسه! وإذا أردت أن تتأكد من هذه المعلومات فليس عليك سوى أن تعود إلى كتاب مايلز كوبلاند الشهير، المعنون ب«لعبة الأمم»! ولك أن تعلم أن كلاً من «كوبلاند» و«روزفلت» من رجال المخابرات العامة الأمريكية. ومن اللافت أن آخر اجتماع عقده جون كيرى فى القاهرة كان مع محمد رأفت شحاتة، رئيس المخابرات العامة المصرية، وذلك قبل دقائق من ركوبه الطائرة مغادراً القاهرة، وقد تم الاجتماع فى سرية كاملة وتكتم شديد بعيداً عن أعين وسائل الإعلام. وهناك سؤال جدير بالطرح حول دوافع زيارة «كيرى» ل«شحاتة»، وهل استهدف الأول الوقوف على بعض المعلومات الدقيقة حول أمور معينة تساعد الإدارة الأمريكية فى اتخاذ قرار ما؟ هل كان الهدف هو التأكد من معلومات محددة حول شخصيات معينة؟ بالطبع يصعب التخمين، لكننا لا نستطيع أن نستبعد، بحال، أن الحصول على معلومات معينة كان هدفاً رئيسياً وضعه وزير الخارجية الأمريكى نصب عينيه وهو يرتب للقاء «شحاتة». السؤال المنطقى الذى يمكن أن يقفز فى الذهن فى ضوء هذا التحليل هو: مَن البديل الذى كتب «كيرى» اسمه فى ورقة ووضعها فى جيبه ليسلمها إلى الرئيس أوباما بعد عودته إلى الولاياتالمتحدة؟ هذا السؤال لا يقتضى إجابة متسرعة نستدعى فيها الأسماء المتداولة على الساحة الآن؛ فقد يكون البديل اسما آخر لم نسمع عنه من قبل، هل كان أحد يتخيل أن يكون «مرسى» هو الرئيس التالى ل«المخلوع»؟ سبحان علام الغيوب!