الحديث عن عودة القيادى محمد دحلان إلى الضفة الغربية والحضن الفتحاوى من جديد ممتد ومتشابك، لكن لا حقيقة مؤكدة حتى اللحظة عن مدى جدية واستجابة القيادة الفلسطينية فى رام الله، وعلى رأسها الرئيس محمود عباس «أبومازن»، ذلك بعد أن تحولت علاقة وثيقة يميزها ألق وانسجام وتوافق بين الرجلين لسنوات طويلة، حتى إنهما فى مرحلة ما وعندما كان «أبومازن» رئيساً للوزراء أثيرت حولهما شبهات التواطؤ ضد الرئيس الراحل ياسر عرفات والعمل ضد توجهاته السياسية، بل التآمر عليه شخصياً!! لكن هذا الطلاق البائن الذى وقع بين «أبومازن» و«دحلان» تطور إلى تراشق إعلامى وتبادل الاتهامات والطعن فى الذمم والتعريض بها وصل إلى ذروته فأدى إلى فصل «دحلان» من حركة فتح واتهامه بسرقة ملايين الدولارات والتورط فى جرائم قتل تستوجب محاكمته ومثوله أمام القضاء ومنذ ذلك الحين والأمور بين «دحلان» والرئيس الفلسطينى محمود عباس لا تقبل أى وساطات أو أمل فى التراجع، أو مصالحة أصبحت مطلباً رسمياً لبعض الدول العربية وليس مجرد اقتراح. العداء الواضح والرفض القاطع من الرئيس عباس لكل الوساطات التى دخلت على خط الأزمة لجسر الهوة بينه وبين «دحلان»، وصل إلى تدخل دول لها ثقلها وتأثيرها على المشهد السياسى الفلسطينى وتبلور بمبادرة الرباعية العربية (مصر والأردن والسعودية ودولة الإمارات العربية) يدعو للتساؤل والتأمل!! لماذا يرفض الرئيس الفلسطينى هذه المصالحة ويصر على قطيعة قد تضر بمكانته السياسية لدى هذه الدول وهو فى أضعف حالاته؟! السياسة لا تعرف العواطف، هذا أمر مفروغ منه، وعدو الأمس هو صديق اليوم إذا ما التقت المصالح! ليس هناك فضيلة ولا معايير أخلاقية تقيم العلاقات السياسية سواء بين الأفراد أو الدول، فما بالنا والحديث يدور عن مصير شعب يتنازع مصيره قطبان لهما ثقلهما السياسى يؤثران على مسار تاريخ حركة عريقة مثل حركة فتح، فنال منها الانقسام والتشرذم وعصف بوحدتها التمزق والصراع بين تحالفات جعلتها فى أضعف حالاتها فى مرحلة حساسة تواجه فيها القضية الفلسطينية تراجعاً خطيراً عربياً ودولياً والمستفيد من هذا الصراع إسرائيل. يقال إن الرئيس أبومازن يخشى من سطوة ونفوذ «دحلان» فيما لو عاد إلى الضفة الغربية وتمكن وربما يكون المرشح الأول لخلافته وسط تمدد نفوذه ودعمه من الخارج وقاعدته الجماهيرية الكبيرة فى الداخل، خاصة من أبناء حركة فتح فى غزة، بما يهدد وجود الرئيس شخصياً وبعض من قيادات «فتح» المناوئين ل«دحلان»، فلا يمكن غض النظر عن قوة الرجل وتمكنه من خيوط المعادلة السياسية فى الأراضى الفلسطينية بدعم عربى قوى ومؤثر، ولعل ذلك ما يجعل الرجل صامتاً حتى الآن عن التجاوزات والاتهامات التى تصدر بحقه من بعض القيادات الفتحاوية التى ترى فيه عدواً وعاراً على الحركة وتاريخها، فهل هو تضارب المصالح؟ أم تهديد لمكانة تلك العناصر ووجودها؟ لكل حججه ومبرراته فيما يفعل، ويبدو أن المصلحة الوطنية العليا هى الغائب الوحيد عن هذه الصراعات المتمحورة فى الرجلين رغم أن أى حديث أو تبرير يبدأ وينتهى عند نقطة المصلحة الوطنية!! «دحلان» ليس منزهاً عن الهوى، له أخطاؤه وعثراته ومآخذه وربما يكون شخصية غير مرغوب بها لدى قطاعات عريضة من الشعب الفلسطينى، وكذلك الرئيس عباس الذى بدأت تتعالى ضده أصوات شخصيات فلسطينية اعتبارية وطنية طفح بها الكيل، فوقعت مؤخراً على بيان تدين فيه انتهاكات الرئيس عباس للثوابت الوطنية واتهمته بأنه يصدر أوامره للأمن الفلسطينى بما يخدم مصالح إسرائيل وحماية أمنها والعمل ضد المقاومة الفلسطينية، فحرصت أجهزة أمن السلطة على أمنها على حساب الشعب الفلسطينى وخضوعها المزرى للعدو الإسرائيلى، وتحولت إلى ما يشبه «جيش لبنان الجنوبى» الذى يحمى أمن إسرائيل. حالة الاحتقان والتفاعلات السياسية تهدد وحدة الفلسطينيين المقبلين على الانتخابات المحلية (البلدية) بما تشكله من أهمية ودلالات سياسية غاية فى الخطورة، خاصة أن حركة حماس دخلت بثقلها معترك الانتخابات، وهناك خشية من اكتساحها الفوز فى هذه الانتخابات، وبالذات فى الضفة الغربية، بما يؤهلها للتسلل إلى الضفة الغربية بعد تمكنها من غزة، وهو ما تخشاه وترفضه الرباعية العربية؛ لأن هذا يعنى انفراط العقد وتمكن محور الشر (تركيا وقطر وإيران) من اللعب على الساحة الفلسطينية دون مواربة، وهو الأمر الذى يهدد المنطقة وأمنها القومى.