منذ اللحظة الأولى للانتفاضة الشعبية فى يناير كنت أعى أهمية دور الجيش كمؤسسة وطنية. كل ما كتبته كان يعبر عن ذلك مع بدء اهتزاز الدولة وانهيار بعض مؤسساتها فى الثامن والعشرين من يناير عندما انهارت الشرطة، ومع ظهور الشيخ القرضاوى فوق منصة التحرير تشبهاً بالخمينى بعد عودته إلى طهران ثم انعقاد جمعة قندهار التى رفرفت خلالها الرايات السود لتنظيم القاعدة بدت واضحة طبيعة القوى المنظمة التى تستثمر الانتفاضة التاريخية للشعب المصرى وتسعى إلى استغلالها بعد انصراف الشعب من ميدان التحرير تاركاً خلفه طاقة هائلة بلا إطار أو قائد. من هنا كان الأمر أشبه بمن قام بتفجير نووى ولم يتحكم فيه، فبقى هائماً يتنقل حتى تمكنت قوة من خارج السياق من السيطرة والتوجيه. هذا ما قامت به تيارات الإسلام السياسى، وفى المقدمة منها جماعة الإخوان التى تعبر عن المشروع المناقض للدولة المدنية القائمة. بعد الانتخابات الرئاسية، ونتيجة ظروف عالمية وأسباب محلية، فاز المرشح الإخوانى بأغلبية ضئيلة جداً، وبدأ زحف جماعته لتنفذ مشروعها الذى تعمل من أجله سراً وعلانية منذ ثمانية عقود. لأول مرة يتقلقل وجود الدولة المصرية التى بدأ تأسيسها منذ عصر محمد على. جميع مؤسساتها أصبحت مستهدفة، من الوزارات المتصلة بالحياة اليومية للشعب إلى المؤسسات الوطنية الكبرى وفى المقدمة الجيش. لسنوات طويلة كنا نصغى إلى القول أن قيام أحزاب على أساس دينى أو عرقى ممنوع. مبدأ هام مطبق فى معظم الدول التى توجد بها تعددية أو أعراق مختلفة. غير أن هذا المبدأ الضرورى لسلامة الدولة بقى معنى هائماً لم يتبلور فى مادة دستورية تقضى بتحويله إلى واقع سياسى ومبدأ. كان المفروض أن ينص الدستور على وجود قوة تضمن عدم الانقضاض على تحرك مناقض يهدد سلامة الدول،ة وهذا ما بدأ مع تمكن الجماعة ورئيسها من حكم البلاد. لأول مرة تصبح الدولة المصرية مهددة بالتفكك والانهيار، مما يعنى دخول مصر إلى مرحلة مظلمة من الصراعات قد تستمر حقباً طويلة قبل بزوغ قوة تعيد مصر إلى نفسها وسياقها. ما يحول دون السقوط حتى الآن وجود ما تبقى من الدولة المدنية وفى المقدمة الجيش. من هنا كنت أرى الجيش كقوة ضامنة. حتى الآن يقوم الجيش بذلك، والأهم أن الشعب يدرك ذلك بحسه الجماعى التلقائى، وبدون عمل منظم. على الجانب الآخر تصاعدت عصبية الإخوان مع تعمق هذا الوعى الشعبى، وفى مواجهة تماسك الجيش. بلغ الأمر حداً يشبه الجنون عندما صرح عضو قيادى بحزب الإخوان متهماً المجلس العسكرى بقتل الشهداء السبعة عشر فى رمضان الماضى، وحتى الآن لم يحاسب من الحكومة ولا من حزبه. ونعرف أن هذا القول لم يصدر عبثاً إنما هو ترتيب محكم يستهدف المؤسسة العسكرية التى تُعتبر أهم سند للدولة المصرية، وهذا جوهر التناقض. يتصاعد الإحساس الشعبى العميق ضد الإخوان بتأثير عاملين أساسيين، الأول محاولة الجماعة فرض نمط متخلف من منظومة ثقافية متخلفة على شعب متحضر، الثانى فشل إدارة الإخوان فى تلبية الاحتياجات الأساسية. لا يمكن التنبؤ بما ستصر إليه الأمور فى الشهور القليلة القادمة، خاصة مع تزايد المحنة الاقتصادية، ولكن يجب الوعى بأن الضامن الوحيد الآن للدولة هو الجيش، وهذا ما أدركه الشعب المصرى، وما تجسده حركته الجماهيرية التى تسبق جميع الأطر السياسية الموجودة. ليس الأمر تحريضاً على انقلاب عسكرى. هذا غير وارد، ولكنها محاولة لإنقاذ ما تبقى. وبعد تقويم الخطأ التاريخى القائم وصياغة دستور جديد يجب الوعى بالنص فيه على ضرورة ألا يقوم أى حزب على أساس عرقى أو دينى، وأن يضمن الجيش ذلك. الاستنجاد بالجيش من شعبه ليس انقلاباً، لكنه دعوة للحفاظ على الوجود عند لواح الخطر الجسيم.