نائب رئيس الحزب الناصري: تعديلات قانوني مجلسي النواب والشيوخ إصلاح هام للنظام الانتخابي    أوبل تطلق أولى سياراتها الكهربائية في مصر    ترامب: المفاوضات مع إيران تسير في الاتجاه الصحيح    ترامب يعرب لنتنياهو عن حزنه إزاء الهجوم على السفارة الإسرائيلية بواشنطن    تفاصيل خطة إسرائيل للسيطرة على غزة.. القاهرة الإخبارية تكشف: محو حدود القطاع    البيت الأبيض: إلغاء آلاف التأشيرات الطلابية لمؤيدين لحماس    أخبار الرياضة اليوم: الموت يفجع محمود الخطيب.. عبد الله السعيد يعود للزمالك.. مودريتش يرحل عن ريال مدريد.. ليفربول يطيح ب 7 لاعبين بنهاية الموسم    رفض استئناف ريال مدريد بشأن عقوبة روديجر    الفراعنة قادمون.. المتحدة للرياضة تعلن نقل مباراة الأهلي وباتشوكا على أون سبورت    تعرف على موعد قرعة كأس العرب 2025 في قطر بمشاركة منتخب مصر    غير مطلوب على ذمة قضايا أخرى، عمر زهران يغادر قسم الدقي    الأحد المقبل أولى جلسات سفاح المعمورة بمحكمة جنايات الإسكندرية    علي الحجار يتألق في حفل الشيخ زايد بباقة من أبرز أغانيه (صور)    من ساحة العلم إلى مثواه الأخير، قصة سكرتير مدرسة بالشرقية وافته المنية أثناء العمل    الأعلى للإعلام يشترط حصول موافقة كتابية من المريض بمحتوى أمراض الأورام    المجلس القومي للمرأة ينظم لقاء رفيع المستوى بعنوان "النساء يستطعن التغيير"    البابا تواضروس يستقبل وزير الشباب ووفدا من شباب منحة عبدالناصر    وزير الشباب والرياضة يشارك في مناقشة دكتوراه بجامعة المنصورة    كيف علق نجوم الفن على رقص أسماء جلال بعيد ميلادها ال 30 ؟    إشادات نقدية للفيلم المصري عائشة لا تستطيع الطيران في نظرة ما بمهرجان كان السينمائي الدولي    محمد مصطفى أبو شامة: يوم أمريكى ساخن يكشف خللًا أمنيًا في قلب واشنطن    المسجد الحرام.. تعرف على سر تسميته ومكانته    البيئة تنظم فعالية تشاركية بشرم الشيخ بمشاركة أكثر من 150 فردًا    "بعد أنباء انتقاله للسعودية".. باريس سان جيرمان يجدد عقد لويس كامبوس حتى 2030    40 ألف جنيه تخفيضًا بأسعار بستيون B70S الجديدة عند الشراء نقدًا.. التفاصيل    تعمل في الأهلي.. استبعاد حكم نهائي كأس مصر للسيدات    ماغي فرح تفاجئ متابعيها.. قفزة مالية ل 5 أبراج في نهاية مايو    الحكومة تتجه لطرح المطارات بعد عروض غير مرضية للشركات    نماذج امتحانات الثانوية العامة خلال الأعوام السابقة.. بالإجابات    بوتين: القوات المسلحة الروسية تعمل حاليًا على إنشاء منطقة عازلة مع أوكرانيا    تفاصيل مران الزمالك اليوم استعدادًا للقاء بتروجت    «الأعلى للمعاهد العليا» يناقش التخصصات الأكاديمية المطلوبة    السفير الألماني في القاهرة: مصر تتعامل بمسئولية مع التحديات المحيطة بها    وزير الصحة ونظيره السوداني تبحثان في جنيف تعزيز التعاون الصحي ومكافحة الملاريا وتدريب الكوادر    بروتوكول تعاون بين جامعة بنها وجهاز تنمية البحيرات والثروة السمكية (تفاصيل)    محافظ البحيرة تلتقي ب50 مواطنا في اللقاء الدوري لخدمة المواطنين لتلبية مطالبهم    وزير الخارجية يؤكد أمام «الناتو» ضرورة توقف اسرائيل عن انتهاكاتها بحق المدنيين في غزة    تعرف على قناة عرض مسلسل «مملكة الحرير» ل كريم محمود عبدالعزيز    محافظ أسوان يلتقى بوفد من هيئة التأمين الصحى الشامل    الأمن يضبط 8 أطنان أسمدة زراعية مجهولة المصدر في المنوفية    أسرار متحف محمد عبد الوهاب محمود عرفات: مقتنيات نادرة تكشف شخصية موسيقار الأجيال    «العالمية لتصنيع مهمات الحفر» تضيف تعاقدات جديدة ب215 مليون دولار خلال 2024    أدعية دخول الامتحان.. أفضل الأدعية لتسهيل الحفظ والفهم    أمين الفتوى: هذا سبب زيادة حدوث الزلازل    الأزهر للفتوى يوضح أحكام المرأة في الحج    "آيس وهيدرو".. أمن بورسعيد يضبط 19 متهمًا بترويج المواد المخدرة    ضبط 9 آلاف قطعة شيكولاته ولوليتا مجهولة المصدر بالأقصر    ماتت تحت الأنقاض.. مصرع طفلة في انهيار منزل بسوهاج    كرة يد - إنجاز تاريخي.. سيدات الأهلي إلى نهائي كأس الكؤوس للمرة الأولى    كامل الوزير: نستهدف وصول صادرات مصر الصناعية إلى 118 مليار دولار خلال 2030    وزير الداخلية الفرنسي يأمر بتعزيز المراقبة الأمنية في المواقع المرتبطة باليهود بالبلاد    «سلوكك مرآتك على الطريق».. حملة توعوية جديدة لمجمع البحوث الإسلامية    الكشف عن اسم وألقاب صاحب مقبرة Kampp23 بمنطقة العساسيف بالبر الغربي بالأقصر    الزراعة : تعزيز الاستقرار الوبائي في المحافظات وتحصين أكثر من 4.5 مليون طائر منذ 2025    محافظ القاهرة يُسلّم تأشيرات ل179 حاجًا (تفاصيل)    سعر الريال القطرى اليوم الخميس 22-5-2025 فى منتصف التعاملات    راتب 28 ألف جنيه شهريًا.. بدء اختبارات المُتقدمين لوظيفة عمال زراعة بالأردن    حكم من يحج وتارك للصلاة.. دار الإفتاء توضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.




نشر في الوطن يوم 30 - 08 - 2016

تماماً كالذى يحدث فى بلاد العالم الثالث، حين يقف أحدهم بكل جرأة وصلف متحدياً أحد أحكام القضاء الواجبة التنفيذ والإصرار على عدم الانصياع له. المُتحدى هنا هو رئيس بلدية نيس الفرنسية والحكم القضائى هو الذى أصدره مجلس الدولة الفرنسى الذى علق القرارات التى اتخذتها عدة بلديات فرنسية بمنع ملابس السباحة الإسلامية المعروفة باسم «البوركينى»، والحجة فى التحدى للحكم القضائى هو أن التراجع عن حظر «البوركينى» سوف يزيد التوتر فى المدينة، والسؤال هنا لماذا التوتر وبين من ومن فى المدينة؟
وبعيداً عن مفارقة أن هناك مسئولاً أوروبياً يُقال عادة إنه فى بلد يحترم القانون ويخضع لأحكام القضاء، وإذا به يخالف ذلك علناً ويصر على موقفه، فالمسألة هنا تتعدى ذلك إلى أكثر من بُعد يتعلق بالتعايش والاندماج بين الأقليات المسلمة وعموم المجتمع المسيحى الأوروبى ومدى قبوله الحرية فى السلوك الشخصى لعموم المسلمين الذين يلتزمون بقيم الحرية ما دامت لا تضر آخرين، والموقف من العلمانية كأسلوب حياة أو كنظام مجتمعى / سياسى يُبعد تأثير الدين عن المجال العام وعن صنع القرار. وفى كل هذه الأبعاد يظهر الأمر باعتباره صراعاً بين مفهومين ومنظومتى قيم وسلوك عن الهوية الدينية والمجتمعية بمعناها العام والواسع. المفهوم الأول هو أن أوروبا للأوروبيين حصراً والذين يدينون بالمسيحية اليهودية ويؤمنون بالعلمانية كأسلوب حياة يُقصى الدين تماماً من المجال العام. والمفهوم الثانى هو أن أوروبا هى لمن يعيشون فيها أياً كان دينهم ومعتقدهم سواء قبلوا العلمانية بمعناها السائد أم تعايشوا معها كأمر واقع ويعملون على الاستفادة من بعض جوانبها.
المفهومان ليسا فى حالة تكافؤ من حيث القوة والتأثير، فالأول هو لأصحاب البلد وهم الأكثرية، والثانى هو لمن وفد إلى البلد عبر سنوات طويلة، وهم الأقلية ومنهم من جاء مهاجراً فى سنوات خلت، ومنهم من ولد وعاش فى بلد مهجر الأب، وهو له بلد المولد والمعيشة والإقامة والجنسية الذى لا يعرف غيره. وبهذا المعنى ففى داخل الأقلية المسلمة صنفان أحدهما يعتبر نفسه ضيفاً من الأصل، والثانى يعتبر نفسه من أصحاب البلد، غير أن نظرة الأوروبيين الأصلاء لا تفرق بين هذا وذاك، مما يسبب توتراً مزدوجاً لدى الأقلية المسلمة، ونتيجة لهذه التراكمات التاريخية والنفسية والسلوكية تعيش الأقليات المسلمة فى أوروبا فى حال توتر شبه دائم، خاصة أن صعود التيارات اليمينية والشعبوية المناهضة لوجود الأجانب من غير الأصول الأوروبية، والساعية دوماً لتحميلهم مسئولية تراجع فرص العمل وتدهور الوضع المعيشى والتعرض لهجمات الإرهاب والتأثير سلباً على منظومة القيم العلمانية، ألقى بظله على عموم التحركات والمواقف حتى لدى التيارات السياسية والمجتمعية التى تؤمن بالليبرالية بمعناها الواسع ولا ترى نفسها فى حالة صراع وجودى مع الأقليات المسلمة.
المسلمون فى أوروبا ليسوا من أصول وجنسيات ومجتمعات واحدة، بل هم خليط من مجتمعات عربية وشرق أوسطية وأفريقية وآسيوية، فهم بشكل أو بآخر ممثلون لعموم المجتمعات المسلمة فى العالم بما فيها من مذاهب واختلافات ونزاعات فقهية، وهو ما يجعل الأقليات المسلمة متنوعة فى داخلها رغم أنها تؤمن بدين واحد وهو الإسلام. وفى كل لحظات التوتر التى يكون فيها مسلم طرفاً فى أزمة كبرى فى بلد أوروبى، خاصة ما يتعلق بهجمات إرهابية، يثور النقاش العام حول فشل اندماج المسلمين فى نمط الحياة الأوروبى، ومن ثم طرح أسلوب إعادة هؤلاء إلى حيث أتوا، أو التضييق عليهم بحيث يضطرون إلى المغادرة طواعية. وفى الإطار الفكرى والحركى تُطرح ثلاثة مناهج للتعامل مع المسلمين الأوروبيين، الأول هو إجبار المسلمين على الالتزام بالمعايير الأوروبية، بمعنى «أوروبة» سلوك المسلمين بما يتناسب مع قيم أوروبا، لا سيما ما يتعلق بحرية المرأة أو ما يوصف بتحرير المرأة المسلمة من قيم دينها التى تقيد حركتها الشخصية، وأيضاً فى السلوك الشخصى. فى هذا السياق يُعد تعديل القانون الخاص بالمسلمين فى النمسا فى عام 2012 أحد نماذج بناء سلوكى أوروبى للمسلمين، حيث اعترف بأعياد المسلمين وحقهم فى مدافن خاصة والطعام الحلال، والأهم بوضع ضوابط على المساجد ومنعها من الحصول على مساعدات من الخارج، وأن يحصل الأئمة على شهادات نمساوية وإجادة اللغة الألمانية، ولأجل ذلك سيفتتح فى جامعة فيينا قسم يقوم بإعادة تحضير رجال الدين المسلمين.
والمنهج الثانى هو منهج التصادم الحضارى الأبدى، وهو امتداد لفكرة علو القيم الأوروبية على ما عداها، وهى أقرب إلى الصراع الوجودى الذى لا يلتقى فيه الطرفان أبداً، باعتبار أن الإسلام لا يُعد مكوناً فى الحضارة المسيحية الأوروبية. والحل لدى هؤلاء هو التخلص من الأقليات المسلمة أو منعها أصلاً من الحضور إلى أرض أوروبية، وتعد سلوفاكيا المثل البارز التى صرح رئيس وزرائها روبرت فيكو فى يونيو الماضى حين تسلمت بلاده رئاسة الاتحاد الأوروبى بأن سلوفاكيا لا ترحب بمهاجرين مسلمين على أراضيها أبداً حتى لا تتعرض للتطرف والإرهاب لاحقاً، ولا تتعرض هويتها للتغيير.
أما المنهج الثالث فهو أوربة الإسلام نفسه، أى تغيير المعتقد الإسلامى نفسه بما يتناسب مع القيم السائدة فى المجتمعات الأوروبية، والحجة هنا أن الاندماج الحقيقى للمسلمين فى أوروبا يتطلب تعديلاً فى كثير من مبادئ الإسلام ذاته. وقد كان شيخ الأزهر أكثر من واضح حين أعلن أمام البرلمان الألمانى، إبان زيارته لبرلين فى مارس الماضى، أن الأزهر يرفض مصطلح الإسلام الأوروبى، لأنه «لا يوجد سوى إسلام واحد، والإيمان بالله وكتبه ورسله، وأركانه خمسة، تطبق فى أى مكان ووقت، حتى لو فى كوكب المريخ».
المناهج الثلاثة لا تقدم حلولاً حتى من منظور الليبرالية والعلمانية الأوروبية ذاتها، وكلها تفتقد لمنهج الشراكة والمساواة، وهو ما تظهره بوضوح أزمة البوركينى، ففى حين تفترض النظرة الليبرالية حرية الشخص فى أن يرتدى ما يشاء، وهو ما توصل إليه حكم مجلس الدولة الفرنسى، فإن القرارات الإدارية التى حظرته وفرضت العقاب المادى على من ترتديه، تثبت أن فئات عريضة من المجتمعات الأوروبية تناهض وتخالف القيم التى تدعى الإيمان بها، وفى ذلك تجسيد لظاهرة الإسلاموفوبيا أو الخوف من الإسلام والمسلمين، والنظر إليهم نظرة صفرية وصراعاً وجودياً وليس تفاعلاً ثقافياً طبيعياً للتعددية وحقوق الإنسان، وفى المحصلة تجسيد لحالة نفاق سياسى وسلوكى أوروبى على أعلى مستوى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.