انقطاع مياه الشرب عن الفيوم 6 ساعات غدا السبت    يوم فى جامعة النيل    بحوث الإسكان يكشف حقيقة ما يتردد عن توقعات بانهيار مباني ساحل الإسكندرية    غدًا.. مصر تحتفل باليوم العالمي للطبيب البيطري    حاملة الطائرات الأمريكية هاري ترومان في طريقها لمغادرة الشرق الأوسط    بابا الفاتيكان يدعو إلى وقف التسلح وتعزيز الحوار والدبلوماسية بدلا من الصراعات    مصطفى محمد يرفض خوض مباراة مونبلييه في الدوري الفرنسي    مصرع فتاة صدمتها سيارة مسرعة في التجمع    ذاكرة فى قلب التاريخ    إلهام شاهين تحتفل بعيد ميلاد الزعيم: حارب الإرهاب ونشّط السياحة ولن أنسى فضله    إعلام عبرى: الوفد الإسرائيلي المفاوض سيبقى في الدوحة حتى مساء السبت    بسنت شوقي: اتخضيت من نجاح مسلسل "وتقابل حبيب"    رئيس وزراء فلسطين: جاهزون لعقد مؤتمر إعادة إعمار غزة فور وقف إطلاق النار    كيف نظم القانون حق الموظفين في إجازة الحج؟    بالمستند.. التعليم تعدل جدول امتحانات الثانوية العامة 2025 لهذه المدارس    مختار غباشي: الكونجرس سيصطدم مع ترامب بشأن رفع العقوبات عن سوريا    إذاعة الاحتلال: الجيش يقول إنه سمح بإدخال الوقود لمستشفيات أجنبية بغزة    «شغل» أمريكانى    قداسة البابا تواضروس يستقبل الرئيس الأعلى للكنيسة السريانية في العالم بوادي النطرون (صور)    الأهلي يفوز على أبيدجان الإيفواري بكأس الكؤوس الإفريقية لليد    أحمد مكي يعلن وفاة نجل شقيقته ويطالب جمهوره بالدعاء له    كيف تتغلب على الموجة الحارة؟.. 4 نصائح للشعور بالانتعاش خلال الطقس شديد الحرارة    حسام موافي يكشف أسباب "نغصة القلب" وكيفية التمييز بينها وبين الذبحة الصدرية    جدول امتحانات الشهادة الإعدادية الأزهرية 2025 الترم الثاني    رحيل الفنان التشكيلي عصمت داوستاشي.. ابن الإسكندرية المتمرد الذي حفظ ذاكرة الفن    إحالة محامى.. المعروف إعلاميا ب"سفاح المعمورة"، إلى محكمة الجنايات.    ارتفاع كميات القمح الموردة لصوامع المنيا إلى 330 ألف طن    مصر تتوج بلقب البطولة الأفريقية للمضمار بحصدها 51 ميدالية    الأوقاف تصدر العدد الجديد من مجلة "الفردوس" للأطفال    اغتنم الفرصة الذهبية.. أدعية مستجابة في ساعة الاستجابة... لا تفوّت الدعاء الآن    "المستلزمات الطبية" تناقش مشكلات القطاع مع هيئتي الشراء الموحد والدواء المصرية الاثنين المقبل    قبل تقديم النسخة المحلية.. كم يبلغ سعر النسخة المستوردة من جيتور X70 Plus بسوق المستعمل    حبس بائع تحرش بطالبة أجنبية بالدرب الأحمر    تيك توك تطلق خاصية التأمل الليلي لحماية المراهقين من الإدمان الرقمي    ميناء دمياط يستقبل 12 سفينة خلال 24 ساعة.. وتداول أكثر من 93 ألف طن بضائع    وزير الثقافة الفلسطيني يفتتح مهرجان العودة السينمائي الدولي في القاهرة بكلمة مسجلة    البحيرة: 938 مواطنا يستفيدون من قوافل طبية مجانية في قريتي العكريشة وبولين    مستثمر سعودى يشترى ألميريا الإسباني ب100 مليون يورو    حماس: الاحتلال يستخدم سياسة الأرض المحروقة في غزة    سيطرة مصرية على الاتحاد العربي لكرة السلة للكراسي المتحركة    المفتي: الحج دون تصريح رسمي مخالفة شرعية وفاعله آثم    شكاوى المواطنين تنهال على محافظ بني سويف عقب أدائه صلاة الجمعة .. صور    وزير الكهرباء يتابع مستجدات تنفيذ مشروع المحطة النووية بالضبعة    مصرع 3 بينهم طفل وإصابة 20 آخرين في حادث انقلاب سيارة نقل بالوادي الجديد    الزمالك يبدأ الخطوات الرسمية لرفع إيقاف القيد بالتواصل مع "فيفا".    وفاة طفل وإصابة اثنين آخرين نتيجة انهيار جزئي لعقار في المنيا    منازل الإسرائيليين تحترق.. النيران تمتد للمبانى فى وادى القدس    كاف يكشف عن تصميم جديد لكأس لدوري أبطال إفريقيا    حال الاستئناف، 3 سيناريوهات تنتظر نجل الفنان محمد رمضان بعد الحكم بإيداعه في دار رعاية    أسعار الأسماك في بورسعيد اليوم الجمعة 16 مايو 2025    الإسكان: قرارات إزالة لتعديات ومخالفات بناء بالساحل الشمالي وملوي الجديدة    حبس متهم بالتعدى على طفلة فى مدينة نصر    الصحة: خبير من جامعة جنيف يُحاضر أطباء العيون برمد أسيوط    طريقة عمل السمك السنجاري فى البيت، أحلى وأوفر من الجاهز    الدوري الإسباني.. بيتيس يبقي على آماله الضئيلة بخوض دوري الأبطال    لاعب المغرب: نسعى لكتابة التاريخ والتتويج بأمم إفريقيا للشباب    أبو شقة: لدينا قوانين سقيمة لا تناسب ما يؤسس له الرئيس السيسي من دولة حديثة    هل الصلاة على النبي تحقق المعجزات..دار الإفتاء توضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بلدك فى غرفتك
نشر في الوطن يوم 24 - 02 - 2013

أتذكر الأيام الأولى لى فى فيينا فى منتصف الثمانينات، كنت قادماً من القاهرة بكمية لا بأس بها من شرائط الكاسيت الموسيقية لأم كلثوم وعبدالوهاب وأسمهان وعبدالحليم وفيروز وشريط لعبدالباسط عبدالصمد وآخر للشيخ رفعت، وبعض الشرائط السودانية لابن البادية والأمين ووردى والكابلى وشريطين للفنانة جوجوش الإيرانية التى عشقت صوتها من المرة الأولى، وكنت أردد بعض أغنياتها التى ترجمها لى صديقى الجميل طاهر رامك الإيرانى الذى درس معى بجامعة عين شمس، ثم شريط خاص بأصوات أفراد العائلة جميعاً وأصوات بعض الأصدقاء.
بعدها بسنوات قليلة أهدتنى زوجتى أسطوانتين من الحجم الكبير، فلم تكن أسطوانات ال«سى دى» قد ظهرت بعد: واحدة لعبدالعزيز المبارك والأخرى لعبدالقادر سالم. فى فترة لاحقة أهدانى أحد الأصدقاء راديو ذا موجة قصيرة، كنت أنصت إليه فى المساءات لنشرة أخبار بلغة عربية محاولاً تخمين من أى دولة تكون، أو لأغنية عربية تتماوج فى الهواء خفوتاً ووضوحاً وشوشرة، لكنها كانت ممتعة بهذا الإحساس الذى يقرب المسافة أو يبعدها. فى هذه الفترة لم يكن متاحاً لنا سوى القنوات التليفزيونية النمساوية والراديو باللغة الألمانية، مما أتاح لنا تعلم اللغة سريعاً.
***
قبل عامين كنت فى زيارة مسائية لعائلة مصرية بغرض مساعدتها فى ترجمة بعض الأوراق الرسمية قبل التوقيع عليها. عائلة بسيطة تقيم فى النمسا منذ أكثر من ربع قرن. عند دخولى للشقة أصبحت بالفعل داخل مصر: الروائح والديكور والآيات القرآنية والنتيجة اليومية المصرية الشهيرة والمفارش والمصابيح. التليفزيون الضخم المتصدر كشاشة سينما داخل الصالة الصغيرة المكتظة بالأثاث. كان هناك مسلسل مدبلج للعربية تتابعه الأسرة بتشوق واضح. لم أشأ أن أكون ثقيل الظل وأحرم العائلة من متعتها، فانتظرت، كما كنت شغوفاً بتأمل هذه الحياة المصرية بكل طقوسها فى غرفة ضيفة داخل عمارة فى فيينا، بينما بدأ الأب بعد انتهاء المسلسل من التنقل بين عدد لا نهائى من القنوات المصرية والعربية!
***
رغم أن الأمر يبدو جميلاً أن تُحضر بلدك إلى غرفتك فى الغربة، فإن المبالغة تؤدى بالضرورة للانعزال عن العالم القريب المحيط مقابل العالم البعيد والحنين إليه، ومن ناحية أخرى، فالتليفزيون والقنوات والفضائيات لعبت دوراً كبيراً فى جعل العالم قرية واحدة لكن بآلاف الرؤى المختلفة، فالمصرى مثلاً يشاهد قنواته المصرية ويتابع أخبار بلاده فقط ومباريات كرة القدم فيها والأفلام المصرية والمسلسلات، والسودانى والتونسى والسورى يفعلون الشىء نفسه يشاهد كل منهم قنواته وأغنياته ومبارياته وأخباره.
لم تكن طفرة الفضائيات إلا وسيلة لإعادة إحضار العالم البعيد بحذافيره ليعيش الناس الوطن بشكل معلب ومكثف، مقابل معرفة زهيدة أو خاطئة أو جهل تام بالمحيط الذى انتقلوا إليه.
إنها فى الحقيقة مشكلة مزمنة حين ينفصل الناس عن المجتمع الذى يعيشون فيه، وينتقلون عبر الفضائيات إلى داخل أوطانهم، دون أن يكلفوا أنفسهم خوض تجربة الانخراط فى العالم الجديد، والنتيجة أن الأبوين غالباً فى هذه الأسر لا يحسنون اللغة الألمانية وإن تكلموها، تأتى فى شكل كلمات مختصرة لا تكوّن جملاً تامة، تيسر فقط ما يكفل أبسط التعاملات اليومية، ويجهلون الكثير من المعلومات المتاحة فى بلاد المعلومات، بدءاً من خريطة المدينة حتى محتويات أى منتج، وفى كثير من الأحوال يلجأون للاستعانة بأطفالهم فى الترجمة عند طبيب أو هيئة رسمية، ويضطر التلميذ لمرافقة الأم أو الأب للمصلحة والقيام بالترجمة الفورية. مع الوقت ينزع الجيل الثانى نفسه تدريجياً من العالم الذى وجد فيه، بينما يمعن الوالدان أكثر فى الاستغراق فى فضاء الفضائيات التى تعيّشهم فى بلادهم.
(فيينا، 8-2-2013)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.