قدّمت المحكمة الدستورية رأيها فى قانون الانتخابات وقد رأت بناءً على تقرير مفوضيها فيما يتعلق بإلزام القوائم بأن تكون بها مرشحة واحدة على الأقل من النساء، رأيان، الأول ذهب إلى أن هذا الإلزام محاولة من المشرّع لإقحام نفسه فى رأى الأحزاب والناخبين، مما يصمه بعدم الدستورية، ومخالفة مواد الدستور الجديد التى تنص على المساواة بين الجنسين وتكافؤ الفرص. أما الثانى فهو أن إلزام القوائم بوضع مرشحة على الأقل فى كل قائمة هو نوع من التمييز الإيجابى المقبول الذى يعد محاولةً لحماية حق المرأة من عصف قيادات الأحزاب، وإخلاء القوائم كلها للرجال. والحقيقة؛ الرأيان لا يشكلان أى إنصاف أو عدالة للمرأة، وكنا نأمل أن تؤكد «الدستورية» حق النساء فى المساواة الفعلية طبقاً لما نص عليه الدستور الجديد من المساواة وتكافؤ الفرص، لكن الأمر يكشف عن أزمة فى التعامل مع النصوص الدستورية والقانونية ومدى الاستيعاب لدورها فى حماية الحقوق فعلياً، فمسئولية المشرع يجب ألا تقف عند المفاهيم الظاهرية لنصوص المساواة وإنما العمل الجاد على تحقيقها واتخاذ كل الإجراءات والوسائل التى تحقق النتائج الفعلية، وليس مجرد حبر على ورق، ففيما يتعلق بتمثيل المرأة فى البرلمان ورغم نص جميع الدساتير المصرية على المساواة، فإن نسبة تمثيلها تراوحت بين 0.5 - 2٫4% فقط خلال ما يقرب من ستين عام منذ حصولها على حقوقها السياسية ودخولها البرلمان بموجب دستور 1956، وحتى آخر مجلس تشريعى فى 2011. وذلك فيما عدا مجلس 1979، الذى ارتفعت فيه نسبة تمثيل المرأة إلى 9%، بتخصيص 30 مقعداً على الأقل للمرأة، والاستثناء الثانى هو برلمان 2010 الذى حجز للمرأة 64 مقعداً تم الاستيلاء عليها بعد الثورة وطردها منها ليعود التمثيل أقرب إلى الصفر مرة أخرى. وذلك نظراً لأن الأحزاب دائماً ما تعلن عن دعمها لدور المرأة دون تقديم إجراء عملى لإثبات هذا الدعم، ففى انتخابات 2000 وصل إجمالى المرشحات الحزبيات لجميع الأحزاب السياسية منفردة إلى 33 مرشحة، وفى انتخابات 2005 نظم ما يقرب من 30 حزباً وحركة سياسية، تحالف لمواجهة هيمنة الحزب الوطنى فلم يرشحوا مجتمعين فى هذا التحالف إلا 13 امرأة وكأنه كان تحالف لمواجهة هيمنة المرأة، وليس الحزب الوطنى، أما انتخابات 2011 ما بعد الثورة والنصر على النظام البائد فلم يعلن حزب واحد دعمه بنسبة محددة للمرأة، بل اجتمعوا على الهجوم على مقاعد المرأة وتسهيل سرقتها. يا سيادة قضاة «الدستورية» ويا من تشرّعون لمستقبل هذا الوطن، المساواة لم تعد فى العالم كله بالأغانى على غرار «اخترناك اخترناك» وإنما خطط وإجراءات عملية لتحقيق نتائج، لأنها مؤشر أساسى من مؤشرات التنمية، وليست على سبيل الديكور، ولكم فى دول الربيع العربى فى تونس وليبيا أسوة، فقد خصّص 50% من القوائم الانتخابية للمرأة لتحقق المساواة وتكافؤ الفرص المنصوص عليها فى الدستور فعلاً لا حبراً، ويكفى أن تعلموا أن مصر أصبحت من أسوأ دول العالم عامة والمنطقة العربية على وجه الخصوص فى تمثيل المرأة، فنحن بلا فخر أصبحنا أقرب إلى الدول الفاشلة، فترتيب مصر بين الدول العربية بعد الثورة كان رقم 15 وأصبح 16 بعد أن تقدمت السعودية بتخصيص 20% من مجلس الشورى للمرأة. فإن أردتم احترام الدستور وتحقيق المساواة وتكافؤ الفرص فلتكن مقاعد النساء على القوائم 50%، لا مجرد مقعد واحد مشكوك فيه.