فى التاريخ القديم تسمى الفترة بين الدول القديمة والوسطى وبين الوسطى والحديثة بفترة الاضمحلال الأولى والثانية، وفى بعض مؤلفات علم المصريات تلقب بفترة «الانحطاط»، حيث لا دولة ولا تاريخ.. هذا هو حال الأمة المصرية الآن.. مصر فى مرحلة تاريخية من مراحل الانحطاط والهوان.. لم نتخيلها ولم نرها فى الكوابيس المزعجة؛ الشارع المصرى يكتظ بالمتسولين فى أعداد غير مسبوقة، والسطو المسلح والسرقة فى عز النهار أصبحت من الأخبار المعتادة التى لا تثير الدهشة.. الأطفال والبنات والنساء يخطفون فى مقابل فدية بسيطة.. الخوف يسيطر على الآباء والأمهات.. النساء يتم اغتصابهن بالسلاح الأبيض وسط ميدان التحرير وفى قلب الزحام.. الرجال تنزع ملابسهم ويسحلون وتوزع صورهم على الفضائيات من أجل إثارة الرعب بإهدار الكرامة.. أما القتل والتصفيات الجسدية فأصبحت جزاءً لكل معارض حتى لو كان شاباً فى العشرين من العمر.. ولم نسمع شيئاً عن قاتليهم.. أكثر من ستين شهيداً فى بورسعيد والسويس ولم نسمع شيئاً عن قاتليهم، والنتيجة أن الأهالى بدأت تنصب المحاكم وتتهم وتحكم وتنفذ، كما حدث فى الشرقية وتم قتل المتهمين وهما شابان وتقطيع بعض من أجزاء جسديهما وتعليقهما على الأعمدة وآخر حرقوه.. حتى الشرطة قتلت قاتل الضابط الشهيد وطئاً بالأقدام.. هل تختلف أحوال الغابات وصراع الحيوانات المفترسة عما نحن فيه؟ ولم يتحدث الرئيس ولا وزير الداخلية الذى يهددنا بالميليشيات المسلحة، وعندما تحدث رئيس الوزراء عن العنف ذهب إلى موضوع رضاعة الأم فى استخفاف و«هطَل» يثير القرف.. عصابة ترتبط بصلات النسب هى من يسيطر على مقدرات الأمة.. المصانع تباع بالضغط والبلطجة والتخويف، الفنادق السياحية والبواخر العائمة تشترى بأبخس الأثمان، القصور الأثرية الفاخرة تشتريها قطر.. الآثار تنهب وتباع على العيان، والحفائر ليلاً تدمر المقابر الأثرية على شاطئ النيل فى كل بقاع مصر.. الأراضى الأثرية تغتصب والبناء الآن فوق طريق الكباش فى الأقصر، وفى أبوصير وسقارة ودهشور.. المعابد تنتظر الانهيار لتوقف الترميم للعام الثالث، والآثار الإسلامية تسرق فى وضح النهار.. ملايين الأسر من العاملين بالسياحة لا تجد قوت يومها، والبطالة زادت أربعة ملايين عاطل.. القضاء مخترق ومكبل، وشرفاؤه يحاربون بكل خسة، والمحكمة الدستورية مهددة ومقيدة، وجهابذة علم الدستور يذهبون إلى ليبيا وتركيا.. الشرطة أخذت العهد من المرشد ولم نعد نعرف رجال الشرطة من رجال حماس.. الإخوان يمدون أذرع الأخطبوط فى كل مؤسسات الدولة لتحويل مصر إلى دولة الملا، وإيران تدخل إلى الجامع الأزهر منارة العلم والوطنية قهراً وغصباً وضد إرادة الشعب المصرى، وزعيمها يصرح فى صفاقة بأنه على استعداد لمساعدة مصر عسكرياً.. الأدباء يقدمون إلى المحاكمة بتهمة ازدراء الأديان ليطبق عليهم الحد، ومشايخ الفضائيات يسبون المسيحيين والدين المسيحى بأبشع الألفاظ.. العصيان المدنى يمتد من بورسعيد إلى باقى المدن، والموانئ متوقفة، وأهل بورسعيد يبعثون بإشارات استغاثة للعالم.. هل هانت مصر إلى هذا الحد؟ مصر يحكمها قادة حماس وأمير قطر الآن.. والسفيرة الأمريكية تفتح ذراعيها لهم، وأمريكا ترسل المراسيل من أجل التوافق.. نحن الآن فى فترة ما قبل السقوط.. العملاق مستكين بلا حول ولا قوة.. الأسد الجريح راقد يلعق جراحه، والقردة تقفز مهللة فوق جسده الطاهر.. ماذا ينتظر الجيش المصرى الأبى، محرر الأرض وحامى الديار والأعراض؟ أنتم حائط الصد الأخير.. والشعب المصرى يستغيث، واللحظة المناسبة تكاد تمضى.. اللهم قد بلغت.. اللهم فاشهد!