كثيرة هى الدعاوى أو المخاوف من عودة الجيش إلى الشارع، والرجوع بالثورة إلى حكم المجلس الأعلى للقوات المسلحة، كما كان عليه الوضع فى الفترة من 11 فبراير 2011 إلى 12 أغسطس 2012. نحن نتحدث عن نحو 550 يوماً تقريباً قضاها الجيش فى الشارع المصرى، وهى أطول الفترات التى نزل فيها الجيش إلى الشارع منذ يوليو 1952. وحقيقة الأمر أن نزول الجيش إلى الشارع ليس بالأمر السهل على أى قائد أو زعيم سياسى، سواء من أتى للسلطة عبر صندوق الانتخاب، كما هو حال الرئيس محمد مرسى، أو من أتى إليها عبر الانقلابات أو الانقلابات الثورية، كما فى حال الرئيس جمال عبدالناصر، أو ورث حال الاستبداد كما فى النظام المصرى السلطوى لأنور السادات وحسنى مبارك الموروث من قبل عبدالناصر. تخوف الرئيس الأول، أى محمد مرسى، مشروع؛ لأن الذاكرة ليست بعيدة عن حال النسيان، ومن ثَمَّ فإن نزول الجيش هنا إلى الشارع نذير شؤم ودلالة على الضعف. أما فى النظم الأخرى التى سبقت الرئيس مرسى، فنزول الجيش إلى الشارع ينذر باستيلائه على السلطة، كما فعل هؤلاء للمرة الأولى ونزلوا بأنفسهم إلى الشارع، وكانوا عندئذ يقودون الجيوش. ولنزول الجيش درجات، أقلها حدة نزوله لدواعى ضبط الأمن. هنا قد ينزل الجيش بشكل واسع النطاق كما حدث فى 17 و18 يناير 1977، عندما استدعى السادات الجيش لضبط الأمن فى الشارع المنفلت بعد رفع أسعار بعض السلع. وكذلك يوم 28 يناير 2011 عندما استدعى حسنى مبارك الجيش لضبط الأمن فى شوارع مصر، وكان يظن أن هذا الإجراء لن يدوم إلا أياماً معدودة حتى تهدأ الأمور. وقد يكون نزول الجيش محدوداً كما فى حالة استدعاء مبارك له فى 26 فبراير 1986، على خلفية تمرد بعض جنود الأمن المركزى فى بعض المحافظات. أو كما كان الحال فى دعوته فى نهاية يناير 2013 للنزول إلى شوارع مدن القناة الثلاث، السويس والإسماعيلية وبورسعيد، وفى هذه الحالة يجب أن نتذكر أن هذا النزول أُجبر عليه الرئيس مرسى جبراً؛ فهو بالتأكيد يجب ألا يرى عودة لمن استبعده من الحياة السياسية، ومن ثم كان متردداً كثيراً فى اتخاذ هذا القرار، غير مفرق بين نزوله لغرض الأمن ونزوله لغرض لعب دور سياسى. ولولا حال الانفلات الأمنى الذى من الممكن أن يؤثر على الملاحة فى قناة السويس ما كان ليستدعى الجيش مطلقاً للنزول إلى الشارع ولو لمحافظة واحدة، وإلا ما داعى عدم استدعائه لضبط الأمن فى الإسكندرية والغربية؟ وكانت هاتان المحافظتان أكثر التهاباً من محافظة كالإسماعيلية. الحالة الثانية لنزول الجيش هى نزوله لأداء دور سياسى، وهنا عادة ما يكون نزول الجيش رغماً عن قائده، وهنا حالتان: حالة 23 يوليو 1952، وحالة 11 فبراير 2011 عقب تخلى مبارك عن السلطة؛ حيث تسلم الجيش الشأن السياسى وهو فى الشارع فعلا بعد أن استدعى لضبط الأمن فقط فى 28 يناير 2011. هنا بالطبع يثور السؤال: هل فى الإمكان عودة الجيش مرة أخرى لممارسة عمل سياسى؟ الأرجح فى ظل الأجواء الحالية ألا يعود الجيش للشارع مرة أخرى؛ فالواقع الحالى لا يبرر تلك العودة؛ فحال العنف متقطع ومنبوذ من غالبية الناس، والأحقاد الاجتماعية لم تصل للدرجة التى تنذر بذلك، وأوضاع الجيش ما زالت كريمة إلى حد كبير من قبل السلطة السياسية، كما أن الجيش ما زالت أصابعه محترقة من تجربة الماضى القريب التى لم ترضِ لا التيار المدنى ولا التيار الدينى. وبعبارة أخرى: إن نزول الجيش إلى الشارع لممارسة عمل سياسى لن يكون إلا من خلال الإطاحة بالسلطة السياسية، ما يعقبه تعليق الدستور. وهذا الأمر شرطه حدوث أى من الحالات الثلاث التالية: سيادة مناخ العنف فى الشارع والوصول لحد العصيان المدنى مدعوماً بترحيب المعارضة علناً بعودة الجيش للشارع، وكثرة الأحقاد الاجتماعية المعبر عنها إعلامياً فى ثورة جياع أو خلافه، ووجود حالة غبن من قبل الجيش بسبب الأوضاع الاجتماعية داخل المؤسسة العسكرية ذاتها. هنا يبقى السؤال: هل يستطيع الرئيس مرسى أن يقى البلاد من الوصول إلى هذا السيناريو، أم يستمر فى عناده، وتعود مصر حال 11 فبراير 2011 مرة أخرى؟