حاولت القيادة العسكرية الجديدة ممثلة فى الفريق «عبدالفتاح السيسى» أن تتعامل بمعادلة قائمة على التوازن بين الوعى بالتحول فى طبيعة السلطة والأدوار المنوطة بالقوات المسلحة بعد صعود رئيس مدنى إلى الحكم، وإدراك ضرورة حماية المؤسسة العسكرية كمؤسسة احترافية، يجهل أى رئيس مدنى الكثير من تفاصيلها، وربما لا يكون لديه الوعى الذى يتمتع به قادتها فى تقدير المخاطر المتنوعة التى يتعرض لها الجيش المصرى، فى ظل مسلسل تفكك العديد من جيوش المنطقة، بداية من الجيش العراقى الذى تفكك على يد المحتل الأمريكى عام 2003، ثم الجيش الليبى، ثم الجيش السورى. وفى الوقت الذى استوعبت فيه المؤسسة العسكرية ما أطلق عليه الأستاذ محمد حسنين هيكل «مقام الرئاسة»، فإن الطرف الإخوانى لم يراع -فى المقابل- ما يمكن أن نطلق عليه «المقام العسكرى» فى دولة ينظر فيها الشعب إلى جيشه كمؤسسة وطنية تمثل أعلى درجات الانضباط والالتزام، ويحترم دورها الذى لا يستطيع أن يختلف عليه اثنان فى حماية الأمن القومى المصرى عبر مراحل التاريخ المختلفة، ولم تستوعب الجماعة الفرق بين ما طالب به الثوار من إقصاء للحكم العسكرى، ومسألة التلاعب بهذه المؤسسة المتينة التى تستعصى على اللعب، ولم يفهم «بديع» الجماعة ولا شاطرها ولا مرسيها أن انسحاب المؤسسة العسكرية جاء بناء على مطالبات ثورية، وليس بناء على سعى إخوانى. صدقت الجماعة كذبة أن «مرسى» هو من خلص مصر من الحكم العسكرى، وتناست أن من خلص مصر فعلاً من فكرة الحكم العسكرى هو الثوار الذين احتشدوا فى ميدان التحرير وشارع محمد محمود وكافة ميادين مصر فى نوفمبر 2011، حين كان الإخوان منشغلين بانتخابات مجلس الشعب «المنحل»!. فساعتئذ اضطر المشير إلى الخروج على المصريين والإعلان عن أن المجلس العسكرى سوف يسلم السلطة لرئيس مدنى منتخب نهاية يونيو 2012. والنتيجة المتوقعة لانغماس أى فرد أو جماعة فى وهم تصديق «الكدبة» هى السقوط فى براثن (الرعونة)، وقد تعامل الإخوان بقدر كبير من الرعونة مع المؤسسة العسكرية، و«لخبطت» الجماعة فى الكثير من الأمور الخطرة، خصوصاً فى سيناء، وإقليم القناة، وفى كل الأحوال كانت المؤسسة العسكرية تسارع إلى اتخاذ قرارات وسن قوانين -هى أوعى بها- لحماية الأمن القومى المصرى، لعل أبرزها القرار الذى أصدره الفريق «عبدالفتاح السيسى» بمنع بيع أراضى سيناء لغير المصريين ومن أبوين مصريين، ليضع حداً لرعونة الإخوان فى إصدار قانون يمنح الفلسطينيين -على وجه التحديد- حق شراء أراض فى سيناء. وفى كل الأحوال لم يستوعب الإخوان أن المؤسسة العسكرية مستعصية على تحقيق طموحاتهم الساذجة فى السيطرة عليها وأخونتها، وساقهم التركيز الشديد مع الذات إلى الجهل بالآخر، و«التوهان» عن ردود أفعاله!.