«لو لم أكن ممثلاً لتمنيت أن أكون جزمجياً»!.. هذا ما اعترف به حسين فهمى فى حوار لمجلة قومية أسبوعية، وزاد عليه بأن اهتمامه بتلميع الأحذية وتنظيفها هواية منذ الصغر، وبأنه يصمم بعض أحذيته بنفسه، وبأن أول هدية تلقاها من ابنه كانت علبة ورنيش بكل الألوان! يقول «حسين» إنه ينتمى إلى سلالة باشوات (ويفكر ويتصرّف على هذا النحو)، وإن شجرة عائلته الكريمة تضرب فى أروقة الليبرالية المصرية التى أجهضتها -مع الأسف- ثورة يوليو: جده الأكبر محمود باشا فهمى كان رئيساً لمجلس شورى القوانين والجمعية العمومية أيام السلطان حسين كامل، وصورته (صورة جده) ما زالت معلّقة فى البرلمان حتى الآن، وثلاثة أرباع القوانين الحالية صدرت فى عهده. وجده المباشر محمد باشا فهمى كان ناظر الخاصة الملكية وعضو مجلس الشيوخ وأحد مؤسسى حزب الأحرار الدستوريين الذى انشق على «الوفد» عقب حادثة 4 فبراير. ووالده درس العلوم السياسية، وكان سكرتيراً لمجلس الشيوخ. أما والدته خديجة هانم زكى فقد تخرّجت فى «السوربون» وكانت سيدة مجتمع، بمعنى أنها سيدة تخدم المجتمع، وقد أسهمت فى تأسيس جمعية تحسين الصحة وجمعية الهلال الأحمر، وكانت ضابطاً فى الجيش المصرى هى وشقيقتها عزيزة هانم زكى لأنهما كانتا من مؤسسى جمعية مشوّهى الحرب التى أنشئت أثناء معارك فلسطين، وكان يرأسها فى ذلك الوقت اللواء محمد نجيب، وخاله محمود زكى كان قائداً للحرس الملكى. لا أفهم كيف تحلق أحلام شخص يتشبث بانتماءاته الأرستقراطية تلك.. على ارتفاع منخفض إلى هذا الحد: «صُرماتى» كما نسميه، يجلس على مقعد بامبو صغير ومستدير وبلا مسند ظهر، محاطاً بكل أنواع الأحذية (أى البشر العاديون بلغة غير العاديين). فى يده مخرز وعلى ركبتيه قطعة خيش وعيناه الخضراوان (أو الزرقاوان.. لا أدرى بالضبط!) ضاقتا والتهبتا لكثرة ما «يزرهما» بحثاً عن ثقوب. أو حتى ماسح أحذية بجلباب رمادى معتم عليه جاكيت «نُص عمر»، يعلق صندوقاً خشبياً على كتفه الأيسر ب«قايش» ميرى متين، ويسبح بين أقدام المارة باحثاً عن صيد وهو يضرب مقدمة الصندوق بفرشاة التلميع! هل تصدق أن حسين فهمى، النجم الأكثر وسامة وشياكة فى السينما المصرية، يمكن أن يكون صُرماتياً أو ماسح أحذية.. حتى إذا كان مجرد «دور» فى فيلم؟ ولماذا اختير، مثلاً، لدور أستاذ الجامعة فى الفيلم المهم (انتبهوا أيها السادة).. بينما اختير محمود ياسين لدور «الزبال»؟ ثمة إحساس لدى المتفرّج المصرى بأن وجه حسين فهمى ليس مصرياً خالصاً، وهو بالفعل لا يخلو من عِرق شركسى، والعرق دساس كما نقول. والوسامة ليست غريبة على النجم المصرى: حسين صدقى كان وسيماً، أنور وجدى كان وسيماً، كمال الشناوى كان وسيماً، نور الشريف وسيم، وصولاً حتى إلى كريم عبدالعزيز، لكن وسامة حسين فهمى زائدة عن الحد، وسامة «عنب بناتى» يلهب الحلق لشدة حلاوته. يبدو حسين فهمى رهين محبسين: الوسامة والهاجس الطبقى، وقد أضعف هذين المكوّنين فرصه كممثل، وظلت نجوميته لفترة طويلة مدينة لدور «الولد الحليوة» الذى تتهافت عليه العذارى. وعندما نضج وأتيح له أن ينوِّع فى أدواره تغيّرت شروط النجومية، وأطاحت ملامح عادل إمام، ثم أحمد زكى ويحيى الفخرانى، بكل شروط رومانسية ما قبل الانفتاح. وفى هذا المشهد الغوغائى الغليظ كان لا بد أن يتخلى حسين فهمى قليلاً عن شرط الوسامة، ويحاول قدر المستطاع أن يلتقط دوراً من هنا وآخر من هناك، وإلا خرج من المولد بلا حمص. وقد قدّم بالفعل عدداً من الأدوار المهمة (فى حدود تجربته كممثل وليس قياساً إلى نجوم هذه المرحلة)، لكنه ظل وفياً لهاجسه الطبقى، وقدّم فى (إنقاذ ما يمكن إنقاذه) دور شاب ينتمى إلى عائلة باشوات تركت مصر فور اندلاع الثورة، يعود بعد رحيل عبدالناصر وفى ظنه أنه يستطيع استعادة مجد عائلته الغابر، لكنه يفشل، لأن مخرج الفيلم (سعيد مرزوق) كان يريدها «إسلامية.. إسلامية»! على أى حال لم يكتفِ الرئيس السادات بمنح حسين فهمى جائزةً عن دوره فى فيلم (الإخوة الأعداء) الذى أخرجه حسام الدين مصطفى، أحد أنشط أفراد كتيبة المُطبعين مع إسرائيل فيما بعد، بل ربطت بينهما صداقة وصلت إلى حد أن «السادات» كان يحرص على دعوة «حسين» إلى سراى عابدين لحضور جلساته مع ملوك ورؤساء الدول، ويزعم «حسين» أن الرئيس كان يطلب منه أن يتحدث مع ضيوفه بالإنجليزية والفرنسية اللتين يتقنهما تماماً، وكان ينظر إليه مباهياً وهو يرطن بهما ويقول لمن حوله: «الولد حسين بيتكلم فرنساوى ممتاز يا جماعة»!! باستثناء جائزة السادات، وجائزة أخرى منحها له السينمائيون عن دوره فى فيلم «دماء على الثوب الأبيض»، وكان دور ضابط شرس فى أحد المعتقلات، لم يفز حسين بأى جوائز أخرى ذات قيمة. هو لا يثق فى الجوائز المحلية لكثرتها، ومعه حق، ولا يستطيع أن ينتزع جائزة فى مهرجان عربى أو عالمى، لكنه لا يتوانى عن قبول عضوية لجنة تحكيم مهرجان، واعتبر رئاسة مهرجان القاهرة الدولى «واجباً قومياً»، وحرصاً منه على صورة مصر. وصداقته الوطيدة للرئيس السادات لم تمنعه، فور توليه رئاسة المهرجان، من إعلان رفضه القاطع مشاركة إسرائيل، مع أنه كان قد دعا فى إحدى ندوات الدورة العاشرة لمهرجان الإسكندرية السينمائى عام 1994 إلى «تطبيع سينمائى» سيسهم برأيه فى زيادة توزيع الفيلم المصرى وخفض تكاليف إنتاجه! وبعد محاولات مضنية لجعل المهرجان حدثاً «أنيقاً» اضطر حسين فهمى إلى تقديم استقالته، لأن رجال الأعمال خذلوه، وعاد النجم القديم إلى موقعه الأصلى.. فاكتشف أن «الحياة بقى لونها لمبى»، وليس «بمبى» كما كانت أيام السندريلا.