تناولنا السياسى والمجتمعى لقضية العدالة الاجتماعية لا يتجاوز حدود التوظيف كشعار، إن من قِبل الحكم أو قوى وأحزاب المعارضة، الجميع يتمسح بمطلب العدالة الاجتماعية الذى تراه قطاعات شعبية واسعة فى قلب التغيير المنشود لمصر، الجميع يتمسح به ولا يطور من الرؤى أو يتبنى من البدائل السياسية ما يكفل تحول العدالة الاجتماعية واقعاً يتشكل فى بيئتنا المجتمعية المعاصرة. الجميع ينتج ذات الرطانة المختزلة عن العدالة الاجتماعية والمرتبطة بتعيين الحدين الأدنى والأقصى للأجور وببعض الضمانات الاجتماعية، وكأن العدالة التى ننشدها لا شأن لها بالحق فى التعليم والعمل والرعاية الصحية والمسكن الملائم والبيئة النظيفة والدمج فى المجتمع وحقوق ذوى الاحتياجات الخاصة والفئات الضعيفة. الحكم والمعارضة يتمسحان بالعدالة الاجتماعية، وهما عاجزان عن مخاطبة الرأى العام بوضوح بشأن ضرورة إعادة النظر فى دور الدولة والإنفاق العام وسياسات الدعم والسياسات الضريبية باتجاه دور محدود للدولة وإنفاق عام يتناقص ومنظومة دعم ترتبط بالدخول ونظام ضريبة تصاعدى يضمن العدالة التوزيعية ويمكن الدولة من الاضطلاع بدورها المحدود فى تمكين غير القادرين من الحصول على حقوقهم فى التعليم والعمل والرعاية وغيرها. فالحكم الإخوانى يعيد إنتاج ذات انحيازات ما قبل 25 يناير 2011 التى خدمت مصالح القادرين وحققت معدلات نمو اقتصادى لم ترتب تنمية مجتمعية شاملة. والمعارضة تتأرجح بين إعادة إنتاج الحقبة الناصرية وسياساتها الداعمة للعدالة الاجتماعية والتى لا يمكن تطبيقها واقعياً اليوم، وبين خطاب غير محدد المعالم عن اقتصاد السوق الملتزم بالعدالة الاجتماعية وعن المسئولية التضامنية للقطاع الخاص. جميعاً نتمسح بالعدالة ونترك الخطاب العام والخطاب الإعلامى يمارس الاستعلاء المنظم إزاء فقراء ومحدودى الدخل من المصريات والمصريين، وهم الأغلبية الساحقة. فالعشوائيات تختزل فى أحزمة عنف وجوع ستقضى حتماً على الأخضر واليابس فى مصر، على الرغم من أن كل من يتابع تحولات هذه المناطق المتسارعة سيدرك أن بها ما يبهر من الطاقة الإيجابية والقدرة على المبادرة الفردية والجماعية للتعامل مع أزمات الفقر والأمية والبطالة وغياب الرعاية الصحية ومعدلات الجريمة المرتفعة نسبياً، ومطالبة محدودى الدخل بحقوقهم فى التعليم والعمل والرعاية الصحية والاجتماعية يقابلها خطاب استعلائى غير إنسانى يتهم هذه القطاعات بالتواكل والانتظار والرغبة المستمرة فى الاعتماد على الدولة ودعمها، كل هذا مع أن الإحصائيات الرسمية تدل على أن محدودى الدخل أكثر التحاقاً بالقطاع الخاص وفرصهم فى التعيين بالقطاع الحكومى والعام شديدة المحدودية (على عكس نجل رئيس الجمهورية مثلاً). غداً، 20 فبراير 2013، يحل اليوم العالمى للعدالة الاجتماعية. وما أحوجنا فى مصر، حكماً ومعارضة وصناعاً للخطاب العام والإعلامى، إلى الانتقال من الشعار إلى تطوير رؤى وبدائل لتحقيق العدالة الاجتماعية والالتزام بها بإرادة سياسية واضحة، وما أحوجنا إلى أن نراجع خطابنا الاستعلائى تجاه محدودى الدخل وسكان العشوائيات ونحترم كرامتهم الإنسانية وندرك عمق الطاقة الإيجابية التى ينتجونها لتغيير حياتهم وتغيير المجتمع.