علمتنى صاحبة الجلالة أن تعقُّب الفساد والمفسدين فى مصر يحتاج إلى وقت وحين.. كما يحتاج إلى تحمّل ادعاءات الشرف وقذف «المسئول الفاسد» لنا نحن معشر الصحفيين تحت وقع قصف «المنصب» الذى يلتحف به.. ويحتاج إلى أناة وصبر على «فُجر» هؤلاء، لأننا حتماً نؤرق مضاجعهم، حتى وإن باغتك بأن «الضمير» لديه حى، مرتدياً مسوح العفة والنزاهة! قبل أربعة أشهر تقريباً كنت أول من كتب عن أن نظام الرئيس مرسى يُجرى سراً تصالحات مع رجال أعمال ورموز مبارك.. ومبارك نفسه.. وكتبت عن أن هذا الملف يجرى على قدم وساق فى سرية تامة ودون إعلان مُتعمد.. وكشفت عن أن المفاوضات تمت مع أحمد عز من داخل سجنه للتصالح مقابل تنازل الدولة عن الشق الجنائى، وأن الوزير محمد محسوب، وزير الدولة للشئون القانونية والنيابية آنذاك، يقود هذه المفاوضات بنفسه، بصفته عضواً فى لجنة التصالح والتسوية التى يرأسها رئيس الوزراء، وقد طلب خمسة مليارات دولار مقابل التصالح.. لكن المفاجأة تمثلت فى رفض «عز» للمفاوضات.. الأمر الذى سبب حرجاً للحكومة!.. كان الخبر مفاجأة حقيقية للرأى العام.. إذ انهالت التعقيبات والتعليقات داخل وسائل الإعلام ودوائر رجال الأعمال والسياسة تسأل: كيف يتصالح نظام الرئيس مرسى وجماعته سراً مع رجال مبارك وهم الذين يتباكون ليلاً ونهاراً على دماء الشهداء، وأنها تؤرقهم وتطاردهم فى اليقظة قبل المنام! القصة كانت «موثقة» لدىّ ولدى صديقى علاء الغطريفى، مدير التحرير، الذى كان صاحب الخيط الأول والأهم فيها.. بيد أننى فوجئت بأن الوزير «محسوب» أصدر بياناً صحفياً ينفى الواقعة نفياً تاماً.. بل وخرج على وسائل الإعلام يؤكد نفيه! وفاجأنى «الرجل» أكثر بأن تلاسن مع «الغطريفى» فى مداخلة هاتفية مع الأستاذ خيرى رمضان على قناة «سى بى سى»، مُباغتاً «الغطريفى» بجملة يعرفها أهل «السمسرة والعمولات» وليس الصحفيين.. قال: «.. وصلت الرسالة من كتابتكم للقصة».. وبسؤال من هو على «شاكلته»، فسر لنا الجملة، قائلاً: «محسوب يقول إن لكم مصلحة فى التصالح، ولهذا كتبتم القصة». بدأت أعقّب عن الرجل الذى يعمل «محامياً».. بل ومن أولئك الذين يعملون فى ملف التصالحات التجارية والضريبية وقضايا التعويضات التى يتحصل فيها على «الأتعاب» بالاقتطاع من نسبة ما يتحقق من «أموال»! .. دارت الأيام دورتها، وأعلنت الحكومة رسمياً الأيام الماضية عن تفاوضاتها علانية مع رموز ورجال أعمال نظام مبارك.. حسين سالم ورشيد محمد رشيد وكثير آخرين.. وأحمد عز طبعاً.. وصدقت قصتنا الصحفية.. وبُهت الذى نفى وأنكر وتبجح!.. وبدأت تتكشف الحقائق.. «محسوب» عضو اللجنة كان يقود المفاوضات بنفسه.. وكان هو الذى يحدد طريقة «التسويات»! اتضح أن الرجل كان لديه مكتب محاماة قبل توليه منصبه «الكنز» ولدى مكتبه وكلاء من رجال أعمال «عرب» ممن يتلهفون على التسوية مع الدولة بأى ثمن، وقد أقام أحدهم دعوى قضائية أمام المحاكم الدولية ضد مصر بملايين الدولارات بعد سحب الدولة أراضيه فخسرها، وعاد الآن قبل شهور إلى التحكيم المحلى وفض المنازعات! من جانبى، لا أشكك فى نزاهة أحد، لكن السؤال: كيف يتم تعيين «محامٍ» له تقاطعات مالية فى وظيفة وزير دولة للشئون القانونية وعضواً فى لجنة التسويات والتصالحات! كيف نستطيع أن نطمئن إلى أن الرجل لا يدير مكتب المحاماة الذى يمتلكه لصالح ملف التصالحات والتسويات الذى كان أميناً عليه؟.. لماذا لم يتم درء الشبهات بإبعاد هذا المحسوب عن هذا الملف.. أسئلة يجب أن يجيب عنها الرئيس مرسى وثورة يناير.. حتى لا نكون سلّمنا القط مفتاح الكرار!!