وسط الشارع تتخذ موقعها أمام وابور الجاز وحلة العدس والأطباق «الألمونيا» تُشعر المارة أنها لم تخرج من مطبخها المنزلى، الاندهاش الذى يصاحب وجودها ينتهى بمجرد أن تطلق نداءها «العدس أبوشطة».. يقف زبائنها أمامها طوابير، فالكل يقدر «الحاجة نعمة» صاحبة أشهر «حلة عدس» فى شارع بين الحارات برمسيس. 5 أبناء وزوج «أرزقى» على باب الله «بيشتغل يوم ويقعد عشرة» لم يتيحوا لها خياراً، لذا بقى «العدس» أملها الوحيد فى العيش «من يوم الثورة واحنا على ده الحال مش عارفين نلاقيها منين ولا منين». لم تتصور السيدة الخمسينية يوماً أن جلستها أمام وابور الجاز فى مطبخها المتواضع ستنتقل إلى الشارع لكنها الظروف.. تقولها بأسى وهى تتذكر حالها قبل أن تتحول من «نعمة» ست البيت إلى «الحاجة نعمة بتاعة العدس». تُعَوِّل السيدة البسيطة كثيراً على جو الشتاء، فالعدس فى هذه الأجواء «وصفة ومتجربة» ولأنها لا تتقن سواه، قررت أن تحترف بيعه بكل أشكاله «شوربة وشعرية وفتة» لتعود من جديد إلى حلة الكشرى صيفاً، فلكل موسم بضاعة، لكن لكل بضاعتها زبون واحد «الصنايعية والحرفيين والغلابة اللى رغيف الكشرى يشبعهم وطبق العدس يدفيهم». «نعمة» ترفض كل ما حولها، الثورة والانتخابات والاستفتاءات ومرسى والإخوان، بمنطق: «ماجلناش من وراهم كلهم خير..ساعات أتحسر على أيام مبارك صحيح كنا بنتسرق بس عايشين».. لا تدرك «نعمة» من أيامها سوى ما تعيشه، لذا لا تهتم بذكرى التنحى التى أشعلت الغضب فى الشوارع ودفعت مئات للدعوة إلى عصيان مدنى، لا تتذكر من «مبارك» سوى أنها وبيتها «كنا عايشين مستورين» ولا تعرف عن الثورة سوى أنها «خرجت من بيتى واتمرمطت فى الشوارع.. الشغل مش عيب بس الحوجة وحشة.. فكرت أروح ديوان المظالم أقدم شكوتى، بس أنا واحدة من بين ملايين هيبصوا لمين ولا لمين». «لقيمات الخبز المحمص فى طبق العدس وَرَشة الصلصة بالتوم على الوش مع قليل من الشطة وفحل البصل الأخضر يتبعها طبق الحلو كنافة أو جلاش» وجبة الست نعمة التى تبيعها ب5 جنيهات، وتقدمها أيضاً لأسرتها يومياً، تمنيهم بيوم اللحمة كل شهر فالعائد يتم تقسيمه بالتساوى بين احتياجات البيت، ولا مانع من يوم «شبرقة» حسب تعبيرها. حتة لحمة مرتين فى الأسبوع مش مرة كل شهر هو حلمها البسيط الذى تتمنى تحقيقه «يا رب النهضة توصل للحمة».