الكاريكاتير فن جميل يحبه الجميع، هو فن المبالغة الذى يتحقق بخطوط بسيطة ليقرب حالة معقدة أو خاطئة أو ظالمة، ليعكسها فى شكل ساخر، بهدف تصحيح مسارها أو لفت انتباه الآخرين للتوقف عنها، والكاريكاتير الصائب هو الذى يسخر من التصرف أو السلوك، والأغلب هو السخرية من تصرف القائد الأهوج أو المدير الغبى أو أى شخصية فى منصب لا تستحقه. وليس الهزء بلون شخص أو ديانته أو عرقه أو جنسه. وقد يصبح رسام الكاريكاتير الفذ مناضلاً سياسياً برسوماته ويتحول إلى شوكة فى ظهر الاحتلال أو الأنظمة الفاسدة، كما كان الرسام الفلسطينى ناجى العلى، الذى كانت رسوماته وحدها كفيلة بأن تشعل فى قلب العرب روح المقاومة حتى تم اغتياله. من الفنانين الكبار الذين لهم بصمة مميزة فى الكاريكاتير: محمد حاكم، مصطفى حسين، وغيرهما كثيرون. لكن بعض المشتغلين بهذا الفن الراقى، يتجاوزون الخط الفاصل لرسالتهم فيتحولون بريشتهم إلى شىء آخر جارح، فالفن ببساطة لا يهزأ بجنس أو دين أو لغة لإضحاك الآخرين، ولا يهين بشراً ولا حيواناً ولا جماداً لصفة فى خَلَقه، وهو ما أراه فى بعض الكاريكاتير المصرى فى الآونة الأخيرة، يهزأ من الشخصية النوبية على سبيل المثال، ومن لونها على وجه التحديد، والأغرب هو تقبل عدد كبير من الناس فى مصر لهذا النوع، وهو ليس بكاريكاتير ناجح على الإطلاق من وجهة نظرى، فالكاريكاتير يجنح أحياناً ليسخر من شخصية جمعية لمجرد تصرفها المخالف لتصرفنا، وعاداتها المغايرة لعادتنا بتكبيرها وإبرازها وليس للحط منها بطريقة عنصرية. اختيار شخصية مصرية بعينها وجعلها محل سخرية الكاريكاتير هو امتهان للإنسانية والأخلاق، بل وضد الكاريكاتير نفسه، لأن السخرية لم تأت عن تصرف أو موقف بل عن أشياء لا قبل للشخص بتغييرها، وليس له يد فى وجودها، وقد لا تكون سُبة على الإطلاق، مثله مثل الهزء من المرأة كامرأة ومن القبطى كقبطى ومن المسلم كمسلم، وقد عشت فى مصر لفترة طويلة نالت فيها شخصية الصعيدى سخرية قبيحة، رغم أن الشخصية الصعيدية معروف عنها الجلد والتحمل وقوة البأس، فهؤلاء من بنوا مصر حقيقة. أكثر من مرة تعالت الصيحات بسبب رسومات كاريكاتيرية مسيئة للأديان أو أفلام تتناول شخصيات دينية مقدسة، وهو أمر لم يتم حسمه بعد؛ فهناك من ينادى بحرية الفن بلا حدود وأن الفن يجب ألا يقاس إلا بالمعايير الفنية، وهى وجهة نظر، تقابلها أيضاً فكرة أن للفن حدودا، يجب ألا يتعداها خصوصاً لو طالت خطوطاً حمراء فيما يتعلق بالدين (على وجه الخصوص)، أما ما يتعلق بالسياسة أو بالجنس فهو أمر قابل للنقد والتداول، ولعل ثبات المؤسسة الدينية هو ما يجعلها تتمسك بهذا الجانب، على عكس السياسة التى تتغير باستمرار وعلى عكس الجنس الذى تطور ليكون جانباً من السلوك الحياتى العام، وليس سلوكاً يحمل الصبغة الأخلاقية الممنوع الاقتراب منها. تقبُّل الناس السخرية من الشخصية الجنوبية سواء صعيدية أو نوبية، يعود إلى أنهم فى مصر ينقسمون إلى عدة فئات: فئة تغضب فقط مما يمسها هى فقط كنخبة مغلقة على نفسها، وفئة لا تهتم أصلاً بما يقال أو يكتب، وفئة وهى الأخطر من وجهة نظرى وتلك التى ترى أن الأمر مجرد سخرية لا تحتمل هذا الاستياء وأن الأمر مجرد مزاح بسيط وهى عادة فئة لا تجد أن السخرية تمسها من قريب أو بعيد. هذه هى الفئة التى تثير لدىَّ علامة استفهام كبيرة خصوصاً حين تحسب هذه الفئة نفسها ضمن الفئة المتعلمة أو المتنورة أو التى تفهم الحياة أكثر من الآخرين!