يجلس على كرسيه العالي مرتديًا بدلته الأنيقة، إذا تحدث يصمت الجميع وإذا طلب إبداء رأي الأعضاء في قانون ما يرفع الجميع أياديهم ليرد بكلمة "موافقة"، وإذا صدر حكم قضائي ضد أحد أعضاء الحزب الحاكم يظهر أمام عدسات التلفاز ليرد بجملة واحدة "المجلس سيد قراره". "سيد قراره" هو المصطلح الذي أطلقه رئيس مجلس الشعب الأسبق الدكتور أحمد فتحي سرور، كناية عن رفض مجلس الشعب التقيّد بأحكام القانون التي تُبطل عضوية أعضاء الحزب الوطني نتيجة الطعن في صحة انتخابهم بالتزوير أو لغيرها من الأسباب. هذا المبدأ أرساه فتحي سرور داخل مجلس الشعب حتى بات قانونًا يعرفه الأعضاء، إلا أنّه بات من الواضح انتهاء هذا التعبير، لاسيما في ظل ظهوره على الساحة مجددًا في قضية العضو أحمد مرتضى منصور الذي قضت محكمة النقض ببطلان عضويته، وفوز عمرو الشوبكي في دائرة الدقي والعجوزة بدلًا منه بعد صراع دام أكثر من 7 أشهر، ليؤكد الدكتور علي عبدالعال رئيس مجلس النواب، خلال جلسة اليوم الاثنين، أنَّ مصطلح "سيد قراره" انتهى ويجب على البرلمان سرعة تنفيذ القانون والحكم الصادر من محكمة النقض بشأن عضوية أي عضو من عدمه. وجاء ذلك تعقيبًا على محاولة عدد من النواب التمسّك بصحة عضوية أحمد مرتضى منصور في أثناء الجلسة البرلمانية المنعقدة الآن؛ لمناقشة الحكم الصادر من محكمة النقض بقبول طعن الدكتور عمرو الشبكي على صحة عضوية أحمد مرتضى منصور والذي ترتّب عليه بطلان عضوية منصور وتصعيد الشوبكي بدلًا منه. ما قاله الدكتور عبدالعال، دفع الجميع ليتساءل "هل انتهى عصر سيد قراره؟"، وحول هذا قال الدكتور فؤاد عبدالنبي أستاذ القانون بجامعة المنوفية، إنَّ النص الدستوري الخاص بمجلس النواب تغيَّر في دستور 2014، عن النص دستور 71 الذي كان يطبق في عهد الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، لافتًا إلى أنَّ الدستور الحالي يلغي عبارة "سيد قراره" التي كانت تُحصن أعضاء البرلمان ويلزمهم بتنفيذ أحكام محكمة النقض، وفي حال عدم الالتزام يتعرض العضو للمساءلة القانونية. وأوضح عبدالنبي ل"الوطن"، أنّ دستور 71 المعمول به في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك كان يعطي البرلمان السلطة المطلقة في الفصل في صحة عضوية أعضائه طبقًا للمادة 93 التي تنص على "يختص مجلس النواب بالفصل في صحة عضوية أعضائه، وتختص محكمة النقض بالتحقيق في صحة الطعون المقدمة إلى المجلس بعد إحالتها إليها من رئيسه، ويجب إحالة الطعن إلى محكمة النقض خلال خمسة عشر يومًا من تاريخ علم المجلس به، ويجب الانتهاء من التحقيق خلال تسعين يومًا من تاريخ إحالته إلى محكمة النقض، وتعرض نتيجة التحقيق والرأي الذي انتهت إليه المحكمة على المجلس للفصل في صحة الطعن خلال ستين يومًا من تاريخ عرض نتيجة التحقيق على المجلس، ولا تعتبر العضوية باطلة إلا بقرار يصدر بأغلبية ثلثي أعضاء المجلس". وأشار أستاذ القانون بجامعة المنوفية إلى أنَّ دستور 2014 ألزم البرلمان بالأحكام الصادرة من محكمة النقض طبقًا للمادة 107 التي تنص على "تختص محكمة النقض بالفصل في صحة عضوية أعضاء مجلس النواب، وتقدم إليها الطعون خلال مدة لا تجاوز ثلاثين يومًا من تاريخ إعلان النتيجة النهائية للانتخاب، وتفصل فى الطعن خلال ستين يومًا من تاريخ وروده إليها، وفي حالة الحكم ببطلان العضوية، تبطل من تاريخ إبلاغ المجلس بالحكم". ولفت إلى أنَّ عدم التزام العضو بحكم محكمة النقض يعتبر إخلالًا بالمادة 104، التي تنص على "يؤدي العضو أمام مجلس النواب، قبل أن يباشر عمله، اليمين الآتية (أقسم بالله العظيم أن أحافظ مخلصًا على النظام الجمهوري، وأن أحترم الدستور والقانون، وأن أرعى مصالح الشعب رعاية كاملة، وأن أحافظ على استقلال الوطن ووحدة وسلامة أراضيه)، وتعرضه للعقوبة بتهمة انتهاك القانون، ويعتبر صاحبها إرهابيًا وفقًا للمادة 2 من قانون الإرهاب والتي تنص على أنه يعد إرهابي كل من قام بتعطيل تطبيق أي من أحكام الدستور أو القوانين أو اللوائح". ومن جهته قال الدكتور محمود كبيش أستاذ القانون وعميد كلية الحقوق جامعة القاهرة السابق، إنَّ النصوص الدستورية الخاصة بمجلس النواب تغيّرت؛ حيث أصبح الحكم القضائي الصادر من محكمة النقض بشأن صحة عضوية أعضاء المجلس نهائي وبات وواجب النفاذ. وأوضح كبيش ل"الوطن"، أنَّ الدستور في عهد الرئيس مبارك كان يعتبر البرلمان سلطة مطلقة، ويعطيه سلطة النظر والنقاش في الأحكام الصادرة، عكس الدستور الحالي الذي يلزمه بالحكم. وفي السياق نفسه، قال الفقيه الدستوري عصام الاسلامبولي، إنَّ دستور 71 كان لا يمنح المحكمة سلطة إصدار أحكام قضائية ضد أعضاء مجلس الشعب، بل كان يمنح المحكمة سلطة إبداء الرأي في صحة العضوية من عدمها، أما الدستور الجديد يمنح المحكمة سلطة إصدار حكم، وفي حالة إصدار الحكم يكون ملزمًا للجميع. وأشار الإسلامبولي في حديثه ل"الوطن" إلى أنَّ المادة 107 من الدستور تنص على أنه فور إخبار المجلس بحكم المحكمة يكون نافذ فورًا، وضرورة اسقاط العضوية فورًا، لافتًا إلى أنه لا يحق لأي عضو مخالفة الحكم الصادر من المحكمة، ولا يجوز وقف تنفيذه وفقًا للمادة 24 من قانون 2012، والخاصة بالفصل في صحة عضوية أعضاء مجلس الشعب، حيث قالت المادة 11 من القانون: "تقضي المحكمة بعدم صحة عضوية أي عضو من مجلس الشعب أو مجلس الشورى إذا تبين لها توافر أحد الأسباب القانونية لذلك، وفي جميع الأحوال تكون العضوية باطلة من تاريخ إبلاغ محكمة النقض مجلس الشعب أومجلس الشورى بحكمها، وفي هذه الحالة يعلن المجلس خلو مكان العضو".