بينما كنت جالساً على مقهى شعبى لطيف يقدم البسبوسة ذات القشدة السميكة، ويصاحبها كوب من الشاى بالنعناع الأخضر، وبينما كنت أحلّق فى آفاق السعادة، التى يبعثها السكر فى جسدى، اقتحم علىّ عزلتى رجل غاضب، ودار بيننا الحوار التالى: الرجل: يا أستاذ بقى موش حرام عليك اللى بتعمله ده؟ العبدلله: أنا عملت إيه يا عمنا؟ الرجل: طلعت فى التليفزيون الأسبوع اللى فات وبتقول إن محدش حيقدر يحقق الاستقرار فى مصر، سواء الحكم أو المعارضة. العبدلله: دى الحقيقة، وإيه اللى مضايقك؟ الرجل: أصبتنا باكتئاب، يعنى مفيش حل؟! العبدلله: المشكلة كبيرة ومعقدة ولا يوجد فصيل واحد يقدر بمفرده التصدى لمشاكل مصر الحالية. الرجل: يعنى المعارضة ليست أفضل من الحكم؟ العبدلله: ولا الحكم أفضل من المعارضة! الرجل: ليه بتقول كده يا أستاذ؟ العبدلله: إن الحكم والمعارضة مثل مائة لاعب كرة قدم تدربوا فى نفس المدرسة الكروية وتعلموا ذات الدروس وارتكبوا ذات الأخطاء ولديهم نفس الثقافة والتراث والسلوكيات. الرجل: إذن ما الفارق بينهما؟ العبدلله: أحدهما يتحدث لغة ليبرالية، والآخر يتحدث باسم الإسلام، وكأنهما انقسما إلى أهلى وزمالك، ولكن لا فارق بينهما، الفارق الوحيد هو لون «الفانلة»! الرجل: يا أستاذ وكأنك تقول إن هناك مشكلة مستحكمة فى الجميع؟ العبدلله: مثلما يقول الميكانيكى عندنا «عيب مصنع» فى الموتور! الرجل: إذن لا أمل إطلاقاً فى إصلاح البلاد؟ العبدلله: الأمل دائماً موجود، ولكن لا أمل بدون عمل! الرجل: وما العمل المطلوب؟ العبدلله: أن نؤمن بأن النخبة الحالية قد تجاوزها الزمن وأنها تلوثت بطريقة إدارة وتفكير عقيمة تحتاج إلى ثورة عقلية وفكرية. الرجل: يعنى ننسف الأجيال القديمة؟ العبدلله: لا، ولكن نستعين بخبرتهم، ولكن يجب أن تكون الإدارة التنفيذية من القوى المتواصلة مع التطور والدولة العصرية. أنهيت طبق البسبوسة وودعت الرجل الذى لم يفهم كلمة واحدة مما قلت!