تمتلئ عيون المصريين بالدموع، وتمتلئ قلوبهم بالأحزان، وتنطلق ألسنتهم بالتعبير عما تكنه أنفسهم. لكن هناك فارق بين دموع ودموع، أو كلمات وكلمات، هناك عيون تذرف دموعاً ومع كل دمعة تتساقط عبرات من الأحزان، تلك هى دموع الشعب الحزين على ما آلت إليه الأحوال فى البلاد، وهى دموع صادقة يتأثر بها كل من يراها، وأصدق تلك الدموع تلك التى تتساقط من عيون الأمهات الثكالى والآباء المكلومين على فلذات أكبادهم الذين سقطوا فى المواجهات الدموية والعبثية التى لم يكن لها هدف وليس من ورائها طائل، بل كل ما حصدناه منها هو ذلك الحصاد المر الذى لونه لون الدم وخلفيته أصابع مؤامرة متقنة تم حبك خيوطها بليل دهيم، غفل فيه أهل السياسة عن متطلبات الشعب، فاخترق أهل المؤامرات نسيج الوطن وأحدثوا به تلك الخروقات. وهناك دموع فى عيون أهل الحكم، كثير منها دموع صادقة، لأن أصحابها كانوا يتمنون شيئاً لكنهم فوجئوا بأشياء لم تكن فى حسبانهم، وكثير من دموع أهل الحكم أيضاً تعبِّر عن الإحساس بالمسئولية والشعور بالخطر. وكثير من أهل المعارضة فى عيونهم دموع أيضاً، لكنها دموع على الأمل الذى كان يراود بعضهم فى السيطرة على مقاليد الأمور بعد التخلُّص من السلطة المنتخبة. إنها دموع فى عيون وقحة رأت الأمور تزداد تأزماً فأصر أصحابها على الشحن وهم يعلمون أن معظم المتظاهرين شباب متحمس، ويعلمون أيضاً أن للثورة المضادة أتباعاً قد حزموا أمرهم على فعل كل شىء وعلى فعل أى شىء كى يعودوا إلى صدارة المشهد الذى تعوّدوا عليه طوال ثلاثين عاماً حتى وإن أصبحت البلاد أطلالاً. إن أتباع الثورة المضادة من رموز النظام السابق هم الوحيدون الذين تمتلئ قلوبهم بالسعادة والسرور، وإذا نظرت إلى عيونهم وجدتها عيوناً شاخصة إلى كرسى الحكم ناظرة، وتخفى فى حنايا ضلوعها قلوباً قاسية كالحجارة، بل هى أشد قسوة. وهناك شباب الثورة الذين جفّت دموعهم وامتلأت قلوبهم حسرة على ثورة أطلقوا شرارتها، وتجاوب الشعب معهم، لكنهم الآن هائمون على وجوههم، فلا الأحزاب الكبرى استفادت من حماسهم ونقائهم، ولا هم استطاعوا أن يأسسوا كيانات سياسية تحمل طموحهم إلى آفاق المستقبل. ولعل عيوناً أخرى ترقبنا من وراء الحجب، إنها عيون الشهداء الذين قدّموا حياتهم فداءً للوطن كى ينعم أهله بالحرية والكرامة. هؤلاء الشهداء لم تذرف عيونهم دموعاً فى الدنيا، بل تدفّقت دماؤهم لتروى هذه الأرض الطيبة، وتروى أيضاً قصة كفاح أوصلتهم إلى عليين، حيث لا توجد دموع ولا أحزان، بل هم -أقصد الشهداء- أحياء عند ربهم يرزقون، فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم، ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون. فهل لك أيها القارئ الكريم أن تختار عيناً من هذه العيون تشاركها أحوالها. إننى مستبشر خيراً لأن نور الفجر حتماً سيأتى: الليل ولى لن يعود وجاء دورك يا صباح وسفينة الأوطان عادت لا تبالى بالجراح.