لا يشك أحدٌ فى قلبه ذرة من إيمان أن نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم، هو أول المسلمين وقدوتهم وأخشاهم لله وأتقاهم له سبحانه؛ إذ كيف يؤمن أتباعه بأنه أمين إسلامهم لله، ثم يزعم بعضهم أنه سيتقرب إلى الله عزّ وجلّ بما هو أعظم مما تقرّب به الرسول الذى قال الله فيه: «وَأُمِرْتُ لأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ» (الزمر: 12). ولم يرضَ لأحد أن يكون قدوة فى الدين سواه، كما قال سبحانه: «لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا» (الأحزاب: 21). والعجب من أناس يجاملون رؤساءهم بالغلو فى الدين والمزايدة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فى تقواه لله وخشيته له، فقد نشرت جريدة «الوطن» يوم الأربعاء 16 يناير 2013، قول أحد مستشارى وزير الأوقاف: إن الوزير يرفض الظهور تماماً مع أى مذيعة سواء كانت سافرة أو محجّبة من باب الورع.. لأنه قدوة كبيرة على رأس هرم الدعوة والدعاة، فهو المسئول عن وزارة الأوقاف وليس الإعلام أو السياحة. وأضاف مصدر مسئول بوزارة الأوقاف أن الوزير لا يتعامل إطلاقاً مع السيدات فى الوزارة. وهذا القول يثير تساؤلات عن افتئات المستشار على الوزير أو نقله عنه، وهل يرضى الوزير أن تختلف صفة التعامل الرسمى مع المرأة باختلاف نوع الوزارة من الأوقاف وغيرها؟ لقد كان من رحمة الرسول، صلى الله عليه وسلم، أن رفق بضعف المغالين ونصح لهم فأخذ بأيديهم إلى سماحة الدين التى هى طريق الفوز فى الآخرة، ولم يتركهم فى تعذيب نفوسهم بغير طائل، وتوعد المعاندين منهم بالحرمان من شرف الانتساب إليه، وأخبرهم بأنهم فى خطر الهلاك يوم القيامة ولن تنفعهم مزايدتهم فى الدين، ويدل على ذلك ما يلى: (1) ما أخرجه البخارى عن أنس فى قصة الثلاثة الذين تقالوا عبادة النبى، صلى الله عليه وسلم. قال أحدهم: أما أنا فأصلى الليل أبداً. وقال الآخر: وأنا أصوم الدهر ولا أُفطر. وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبداً. فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، إليهم، فقال: «أنتم الذين قلتم كذا وكذا. أما والله إنى لأخشاكم لله وأتقاكم له لكنى أصوم وأُفطر، وأصلى وأرقد، وأتزوج النساء. فمن رغب عن سنتى فليس منى». (2) وأخرج أحمد بإسناد صحيح عن أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، مرّ برجل وهو يهادى بين ابنيه، قالوا: نذر أن يمشى. قال: «إن الله لغنى عن تعذيب هذا لنفسه»، فأمره أن يركب. (3) وأخرج ابن ماجة وغيره بإسناد صحيح عن ابن عباس، أن النبى صلى الله عليه وسلم، قال: «يا أيها الناس إياكم والغلو فى الدين، فإنه أهلك من كان قبلكم الغلو فى الدين». وإذا ثبت قُبح المزايدة على الرسول فى طاعة الله، وقبح الغلو فى الدين من آحاد المسلمين فإن ذلك يكون أشد قُبحاً وأوجب نكارة إن وقع من أحد وجهاء الأئمة والدعاة إلى الدين. أعتقد أن الأمر يحتاج إلى بيان وضع المجاملين للرؤساء على حساب الدين، وتوضيح من سيرة النبى صلى الله عليه وسلم، فى تعامله الرسمى مع المرأة، وهو القدوة الدينية الحقّة حتى نحمى الإسلام من المغالاة، وندفع عن الرسول صلى الله عليه وسلم، إساءة من يزايد عليه. وللحديث بقية..