كان أمراً صادماً ومؤسفاً بل مثيراً للدهشة والاستغراب أن تختار باحثة فلسطينية (نجوى سعدى) ثلاثة أفلام إسرائيلية: «شجرة الليمون، إخراج عيران ريكليس 2008» و«عطش، إخراج توفيق أبووائل 2004» و«عجمى، إخراج إسكندر قبطى 2009» للاستشهاد بها فى إطار دراستها المعنونة «معالجة القضايا الفلسطينية فى الدراما العربية»، وبالقطع فإن هذه الأفلام ليست من الإنتاج الدرامى -السينمائى أو التليفزيونى- العربى ولو أخرجها فلسطينيون، أو أنها إنتاج إسرائيلى - فلسطينى مشترك مثل «يد إلهية لإيليا سليمان 2001» الذى لم يخضع للشروط الإسرائيلية، كى تجد -هذه الإفلام- مكانها فى دراسة علمية متخصصة، والأمر الأكثر غرابة أن الباحثة التى تقدمت برسالتها للحصول على درجة الماچستير من معهد البحوث والدراسات «العربية»!، رأت أنه كان «لا بد أن نتطرق لبعض الأعمال التى أنتجتها إسرائيل أو جهات أجنبية كى توضح (كما تَزْعم) بعض ما جاء فى هذه الأفلام من قضايا وكيفية معالجتها للقضايا المطروحة» وهو تبرير واهٍ يكشف عَوار منطقها، فهذه الأفلام تخدم وتدعم بالضرورة الرؤية الصهيونية للقضية الفلسطينية، وإن أظهرت بعض التعاطف الزائف والمراوغ، فى ذات الوقت الذى تجاهلت فيه الباحثة عشرات الأعمال لمخرجين فلسطينيين -عَمْداً أو كسلاً- مثل رشيد مشهراوى وآخر أفلام المخرجة الفلسطينية آن - مارى جاسر «لمّا شُفْتك» وغيرها من الأعمال السينمائية التى حاولت قراءة الواقع العربى المعاصر والتعبير عن معاناة المواطن الفلسطينى داخل وخارج الأرض المحتلة. ربما كان من المحزن أيضاً أن تأتى نتائج الدراسة مخيبةً للآمال حيث أظهرت مدى هامشية القضية الفلسطينية عند منتجى وصناع الدراما العربية، فالأفلام السينمائية لم تتجاوز 34 فيلماً روائياً طويلاً خلال العشرين سنة الأخيرة، وأن أهم الأعمال كانت بمشاركة أجنبية مثل «ملح هذا البحر» لآن - مارى جاسر (فلسطين - سويسرا - بلجيكا) و«باب الشمس» ليسرى نصر الله (مصر - فرنسا) و«المُرّ والرمان» لنجوى النجار (فلسطين - ألمانيا - فرنسا) و«الجنة الآن» لهانى أبوأسعد (فرنسا - ألمانيا - هولندا)، أو إنتاج أجنبى كامل مثل «خاص» إخراج سافيريو كوستانزو (إيطاليا) وقد تعرضت هذه الأعمال للعديد من جوانب القضية وأبعادها السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية كاشفة الآثار التى ترتبت على السطو الصهيونى على الأراضى الفلسطينية وفضح الممارسات الوحشية لجيش الاحتلال. تؤكد الدراسة أن الدراما التليفزيونية لم تكن أفضل حالاً من السينمائية، ففى حين تم إنتاج ما يزيد على ألف مسلسل على الأقل، خلال نفس الفترة الزمنية (1992-2012) بمتوسط 50 مسلسلاً سنوياً على المستوى العربى، إلّا أن القضية لم تحظ سوى بأربعة عشر مسلسلاً فقط هى التى اجترأت واخترقت حاجز الصمت المريب، وكلها إنتاج عربى/ عربى أى بمشاركات من دول أو شركات إنتاج عربية كان لسوريا النصيب الأكبر فيها. بذلت الباحثة جهداً ملحوظاً -وإن جاء مجانياً فى مَوَاطن عديدة- فى إعداد هذه الرسالة التى ساهمت فى كشف القصور الواضح والإحجام الفاضح تجاه تناول هذه القضية القومية التى تشكل لب الصراع الدولى للهيمنة على المنطقة، كما تكشف عن مدى خفوت الحس الوطنى والقومى -بسبب نقص الوعى وغلبة المنطق التجارى- لدى كثير من المنتجين العرب، وتُشير إلى مسئولية الحكومة الفلسطينية والحكومات العربية التى تَصُم مَسامعنا كل يوم متشدقةً بالقضية ومُتأجرةً بها فى كثير من الأحيان. إن الفنان يشد أزْر السياسى، وربما كان فيلم واحد أقوى تأثيراً من عشرات الخطب الرنانة فى إنعاش الذاكرة الإنسانية عربياً ودولياً، وهو ما لم يدركه -للأسف- تجار الشعارات الذين يزأرون ليل نهار فى معظم العواصم العربية: «خيبر.. خيبر يا يهود.. جيش محمد.. سوف يعود» و«بالملايين.. بالملايين.. ع القدس رايحين»!! وما زالوا -جميعاً- فى فراشهم قابعين!