ظل الجيش المصرى عبر آلاف السنين رمزاً للوحدة والفخار، ودرعاً واقيةً للأمة من كافة المؤامرات الداخلية والخارجية، فمنذ عهد مينا موحَّد القطرين، مروراً بالقائد أحمس قاهر الهكسوس، وصولاً إلى مئات المواقع الحربية التى تشهد لصلابة الجندى المصرى وبراعته القتالية، ولا عجب فى ذلك، فهم خير أجناد الأرض. وحين واجهت مصر الكثير من الشدائد عبر الغزوات الخارجية أو الانقسامات الداخلية، كانت القوات المسلحة هى الملجأ والملاذ الذى يقهر الأعداء، ويصون التراب، ويحفظ للمصريين وحدتهم وكبرياءهم وكرامتهم ودورهم الحضارى الذى لا يمارى فيه أحد. ولم تكن حركة الضباط الأحرار فى عام 1952 التى تحولت إلى ثورة شعبية سوى تعبير عن إرادة الأمة فى التخلص من الاستعمار وسيطرة رأس المال على الحكم، وتحقيق العدالة الاجتماعية التى تعيد للمصريين حقوقهم المسلوبة فى التوزيع العادل للثروة، وتفسح المجال أمام أبناء العمال والفلاحين فى حياة كريمة تعتمد على تكافؤ الفرص لجميع المصريين فى التنمية والتعليم. وحين قامت الثورة المصرية المجيدة فى 25 يناير، كان انحياز القوات المسلحة المصرية واضحاً وصريحاً إلى الشعب، فهو جيش الشعب وليس جيش النظام، ولولا مساندة الجيش للشعب الأعزل المسالم لربما أخفقت الثورة ولم تحقق أهدافها فى إسقاط النظام البائد المستبد، فقد كان نزول الدبابات إلى الشوارع برداً وسلاماً على المصريين، وهتف المصريون بملء حناجرهم «الجيش والشعب إيد واحدة»، ثم تسلم المجلس الأعلى للقوات المسلحة مقاليد الأمور، وكان ما كان من إخفاقات سياسية متتابعة لعل من بين أسبابها افتقاد المجلس الأعلى السابق للقوات المسلحة للحس السياسى، والاستعانة الدائمة بالعديد من رموز النظام السابق عند مواجهة الأزمات واتخاذ القرارات المصيرية، والتشاور المستمر مع رموز وقيادات جماعة الإخوان المسلمين باعتبارها الجماعة الوحيدة الأكثر تنظيماً، والأقدر على الحشد والابتزاز والمساومة من أجل اعتلاء السلطة، وذلك فى الوقت الذى انقسم فيه الثوار الحقيقيون إلى شراذم وجماعات تفتقد القيادة، ولا تجيد ألاعيب السياسة وهو الخطأ الذى نتحمل وزره الآن. ولعل القرار الوحيد الذى أصاب فيه الرئيس الدكتور محمد مرسى منذ توليه سدة الحكم هو تنحية قيادات المجلس الأعلى للقوات المسلحة وتعيين الفريق أول عبدالفتاح السيسى وزيراً للدفاع والإنتاج الحربى. يتمتع الفريق السيسى بشخصية متزنة، وقدرات فائقة وخبرات عميقة، وشعبية كبيرة لدى أبناء القوات المسلحة، فهو لا يدخر جهداً فى تأهيل قواته بأحدث المعدات والأجهزة، ودائم الحضور بين قواته، ويكون فى مقدمة التدريبات لبث الحماس ورفع الروح المعنوية للجنود، وتعبر تصريحاته عن وطنية جارفة وحرص بالغ على حماية التراب الوطنى، وقد أثلجت صدورنا تصريحات القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع بشأن الضوابط المتعلقة بتملك الأراضى فى المناطق المتاخمة للحدود مع المستوطنات الإسرائيلية وحظر تملكها وعدم الموافقة على تخصيص حق الانتفاع لها. إن هذا القرار الشجاع يستهدف إيقاف المخطط الصهيونى الخاص بالوطن البديل وتوطين الفلسطينيين فى سيناء، ويقطع الطريق على محاولات إسرائيل فى العودة إلى سيناء من خلال شراء الأراضى أو إيجارها وعقد الاستثمارات المشبوهة التى تضر بالأمن الوطنى وذلك دون إهدار حقوق أهالينا فى سيناء. لقد شعرت بالفخر والاعتزاز حين قرأت تصريح القائد العام وزير الدفاع بأن القوات المسلحة تعى ما يحاك للوطن من مؤامرات، وما يواجهه من تحديات، وأن الجيش المصرى قادر على مواجهتها والتغلب عليها، فكل التحية للفريق أول عبدالفتاح السيسى.