رغم الكارثة التاريخية التى لحقت مصر والمصريين بصعود الإخوان والتيارات المتشددة، فعلينا ألا نستكين إلى اليأس أو التعامل مع الواقع القائم على أنه أمر مفروغ منه وأنه قدر لا فكاك منه، صحيح أننا نرى هدم الدولة يومياً، تقويض القضاء والإعلام والداخلية، والتأهب للانقضاض على الأزهر والمؤسسات الراسخة الأولى، إلا أننا يجب رصد حركة الواقع ومظاهر المقاومة الشعبية أياً كانت وأياً كان حجمها، وهنا يجب النظر أيضاً إلى الماضى، إلى المراحل التى استعمرت فيها مصر من أجانب قساة استباحوا مضمونها وتراثها الروحى وعطلوا مسيرتها، وتقدمها واستباحوا حرماتها ومقدساتها، لكن رغم فداحة الثمن سرعان ما انطوت هذه الفترات وأصبحت نسياً منسياً، أعرف أن حكم الإخوان لن يتغير بالانتخابات أو أى وسيلة ديمقراطية أخرى، لقد جاءوا ليبقوا وليتمكنوا ويغيروا هوية مصر بما فيها الإسلام، الذى نعتنقه منذ ما يقرب من خمسة عشر قرناً، الإسلام الذى يدعو إلى الرحمة والتسامح والعمل من أجل الدنيا والآخرة، والحديث فى هذا يطول، ولعل الشعور العام عند المصريين الآن أنهم فى مواجهة دعاوى غريبة على الإسلام، الذى يعتنقونه ويذودون عنه، ولذلك بدأت مقاومة خاصة بين أبناء الطبقات الوسطى التى تحظى بقدر من التعليم، ولأول مرة تعرف مصر ظاهرة الاعتراض على خطيب الجمعة، تكرر ذلك فى أكثر من مسجد، أحدها كان يصلى فيه الدكتور محمد مرسى نفسه، وفى الإسكندرية كاد الخلاف ينتهى بحرب حقيقية عندما حاول الشيخ المحلاوى تحويل خطبة الجمعة إلى دعاية سياسية، بل إننى أعرف عدداً من الشباب المتدينين الواعين يتجهون الآن إلى صلاة الجمعة فى الخلاء بعد أن أصبحت المنابر فى المساجد تردد الدعاية الممكنة للجماعة، أما الظاهرة الأبرز فتلك الدعوة التى انطلقت بعدم تهنئة الأقباط بعيد ميلاد السيد المسيح، دعوة غريبة، مريبة، لم أقرأ مثلها فى أى مرحلة من تاريخنا خاصة، أو تاريخ الإسلام عامة، بسبب بسيط واضح، جلى، أنها مناقضة لما جاء فى القرآن الكريم، وقد تصدى كثيرون بالحجج الدامغة، ولكن فلننظر إلى ردة فعل المصريين، لا أظن أن سنة قد عرفت هذا الحجم من التهانى الصادرة عن جموع المسلمين المؤمنين بالإسلام الحقيقى وليس الإسلام «البرهامى»، الذى يجيز الكذب والخداع -راجعوا حديثه الذى تم تسجيله بالصوت والصورة عن عملية الخداع فى إقرار الدستور- لقد شهدت جميع الكنائس جموعاً من المسلمين على خلاف كل سنة، حتى الكنائس فى المهجر، تم ذلك بدون دعوة حزبية أو دعوة من تنظيم ما، إنما بدافع فطرى من المصريين الذين يدركون بالعلم والفطنة أن دينهم الحقيقى مهدد، بالإضافة إلى التصرفات التى تصدر حالياً عن الجماعة وحلفائها فى أكبر بلد مسلم، وأكثره تأثيراً من خلال الأزهر المستهدف الآن بدءاً من شيخه الجليل حتى مضامين ما يدرّس فيه ومسيرته الناصعة لخدمة الإسلام والمسلمين، وأن إقبال المصريين على تهنئة الإخوة الأقباط، يمكن اعتباره جزءاً من المقاومة الثقافية التى بدأها المصريون المؤمنون ضد هذه المبادئ الغريبة التى تسىء للإسلام والمسلمين، المؤسسات التى لم تدركها الجماعة بعد بادرت إلى اتخاذ موقف صحيح، وكانت البداية من الجيش، حيث أوفد الفريق أول عبدالفتاح السيسى إلى الكاتدرائية وفداً رفيع المستوى، برئاسة اللواء محمد العصار، قبل حلول عيد الميلاد بأيام، ومساء العيد وجه القائد العام التهنئة باسمه، وهذا موقف وطنى مسئول، إن ممارسة الكذب المنظم، واستمرار هدم الدولة التى تنظم حياة المصريين، ومحاولة بعض التيارات القادمة من كهوف التاريخ فرض مفاهيم ضارة بالإسلام نفسه، لن تمر هكذا، ثمة مقاومة فى الواقع أكبر من القيادات السياسية والكائنات القائمة، أيضاً هناك أصوات معدودة لشعراء وروائيين وصحفيين تستحق التقدير، فعلى الرغم من عدم وجود أطر تجمعهم، إلا أن كلاً منهم يعبر بقوة وذاتية رغم المخاطر الدموية الماثلة.