أما بعد، فهذا تلخيص شديد لورقة مطولة قدمتها للملتقى السابع للمجلس القومى لحقوق الإنسان المنعقد فى نوفمبر الماضى، كان عنوان الملتقى «حقوق الإنسان فى مسودة الدستور»، وكان انعقاد المؤتمر بناء على وعد من رئيس المجلس ورئيس اللجنة التأسيسية فى الوقت ذاته المستشار حسام الغريانى بأن ما سنقترحه فيما يخص الحقوق والحريات سيؤخذ به وسيتم التعامل معه بجدية فى اللجنة التأسيسية. وقد اخترت أن أتحدث عن الحقوق الثقافية كونها الأكثر غموضاً والأقل انتشاراً ليس فقط بين أفراد المجتمع ككل وإنما أيضاً بين النشطاء الحقوقيين والمثقفين بوجه عام. وللحقوق الثقافية محاور أربعة هى: 1- الحق فى الحصول على المادة الثقافية أياً كان مصدرها والمشاركة فيها والاستمتاع بها، ويتماهى هذا الحق مع ما يشابهه من الحق فى الحصول على القدر المناسب من التعليم الذى يمكن الفرد من التعامل مع الثقافة العلمية والفنية. 2- حق الفرد والجماعات فى إنتاج المواد الثقافية والعلمية. ويدخل فى نطاق هذا الحق الدفاع عن حرية التعبير وحرية المشاركة فى الأنشطة الثقافية. 3- حق الفرد فى الانتساب إلى الجماعات الثقافية المختلفة، وحق الجماعات الثقافية فى التعبير عن هويتها الثقافية والدفاع عن تراثها الثقافى وأيضاً حماية التنوع الثقافى والتعددية الثقافية، ويتماهى ذلك مع حقوق الأقليات وحقوق السكان الأصليين وعدم التمييز. 4- الحق فى حماية المصالح المعنوية والمادية التى يجلبها النشاط الثقافى على الفرد أو الجماعة. وقد استقرت هذه الحقوق فى المواثيق الدولية التى وقعت مصر عليها جميعاً، بدءاً من الإعلان العالمى لحقوق الإنسان (1948)، والعهد الدولى الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (1966)، بالإضافة إلى إعلانات اليونسكو واتفاقياتها الخاصة بالحقوق الثقافية مثل إعلان مبادئ التعاون الثقافى الدولى (1966)، وإعلان المكسيك للسياسات الثقافية (1982)، والإعلان العالمى بشأن التنوع الثقافى (2001)، واتفاقية حماية وتعزيز تنوع أشكال التعبير الثقافى (2005). والملاحظة الأساسية هنا هى أن محررى الدستور استنسخوا المواد التى تتعلق بالحقوق والحريات من دستور 1971، الذى لم يكن يعرف مفهوم الحقوق الثقافية، بل إنهم نقلوا منه مادة حماية الوحدة الثقافية كما هى نصاً كالتالى: (تحمى الدولة الوحدة الثقافية والحضارية واللغوية للمجتمع المصرى، وتعمل على تعريب التعليم والعلوم والمعارف) ولأن المادة بهذا الشكل تتعارض على نحو صارخ مع الحقوق الثقافية، فقد طلبنا تعديلها لتصبح كالتالى: (المجتمع المصرى متجانس يحتوى تنوعاً ثقافياً وتعددية ثقافية، وللأفراد والجماعات الحق فى التعبير عن ثقافتهم بكافة الأشكال وبالطرق السلمية) لكن اللجنة استقر رأيها فى النهاية على أن تستبدل تعبير «المقومات الثقافية» ب«الوحدة الثقافية، وأبقت على نصها كما هو! ومن ناحية أخرى، فقد أبدينا اعتراضاً على بعض النصوص التى تخول للدولة التدخل فى الحريات الشخصية والحقوق الثقافية للأفراد وجميعها تقع فى باب المقومات الأساسية للمجتمع والدولة، وقد جاء رد اللجنة حاسماً بأن أضافت جملة لم تظهر إلا فى ليلة التصويت الشهيرة فى آخر مادة فى باب الحقوق والحريات، قالت فيها بالنص: «تُمارس هذه الحقوق والحريات بما لا يتعارض مع المبادئ الواردة فى باب المجتمع والدولة بهذا الدستور». لقد حقق المدافعون عن الحقوق والحريات فى مصر الكثير من التقدم على مدى السنوات الماضية، غير أن علينا أن نعرف أن معركة هذا الدستور وإقراره تؤسس لمرحلة جديدة من مراحل الكفاح من أجل إسقاط كل أشكال الاستبداد التى لا تزال متحكمة فى المجتمع المصرى.