هل كان ينقص غزة من المشاكل الرابضة تحت بركان ما أثير مؤخراً بعد نشر فيديو «استتابة أطفال غزة» الذى سبب فزعاً وجدلاً وغضباً فى الشارع الفلسطينى؟ ألا يكفى هذا القطاع المنكوب من البلاء والقضايا الحقيقية والمشكلات الاجتماعية التى تحتاج من وزارة الأوقاف إلى الاهتمام بها، خصوصاً مع ازدياد معدل الفقر والجوع بفعل الحصار متعدد الأوجه بدلاً من هذا الترهيب الذى يغرسونه فى أذهان الأطفال؟ منذ أيام تناقلت وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعى فيديو سبب صدمة شديدة فى غزة، يظهر الفيديو دعاة إسلاميين تابعين لوزارة الأوقاف والشئون الدينية فى غزة يصطفون أمام مجموعات من تلاميذ المرحلة المتوسطة (12-15 عاماً) فى ملعب المدرسة بينما يتحدث أحدهم عبر مكبر صوت بخطاب دينى يكشف عن توبة التلاميذ ويقوم آخرون بالسجود أمام رفاقهم، ثم احتضان الدعاة والبكاء على أكتافهم على وقع التكبيرات!! هؤلاء الطلاب ما زالوا صغاراً بحجم الطفولة لارتكاب الكبائر، فبماذا أخافهم الشيخ المتحدث حتى تصدر هذه التصرفات من قبَل الطلاب بهذه الطريقة؟ وماذا اقترف هؤلاء الأطفال من ذنوب حتى يتوبوا عنها؟! ما يسمى بالملتقى الدعوى أو «سفينة النجاة الدعوية» فى غزة لا تستطيع ممارسة أنشطتها بمعزل عن موافقة حركة حماس، وما شاهده الشعب الفلسطينى من ممارسات ممن يسمون أنفسهم رجال الدعوة التابعين لحماس هو بمثابة استنساخ وإعادة للعصور الظلامية التى كان فيها رجل الدين يمنح صكوك الغفران دجلاً وكذباً واستغلالاً رخيصاً للدين والإنسانية، فمثل هذه البرامج التى تبث ضمن المسيرة التعليمية هى استنزاف للطاقات الإبداعية الخلاقة لدى الأطفال ذات تأثيرات سلبية غير إنسانية يمكن أن تزرع التطرف الدينى التكفيرى فى عقولهم، فغزة لا تحتاج إلى مثل هذه البرامج الغيبية الخبيثة التى تغلق بوابات الأمل والمستقبل أمام الأطفال والتلاميذ، وسياسة صكوك الغفران التى تفرضها الجماعات الدعوية بمباركة «حماس» على أطفال قطاع غزة تدس السم فى العسل، ومردودها غاية فى الخطورة!! الدين الإسلامى لم يكن يوماً دين ترهيب أو استغلال أو استعباد أو شطب للعقول أو امتهان لبراءة الأطفال فى أتون الاستقطاب الحزبى والسياسى المقيت، ديننا يدعو للتسامح والعلم والأخلاق والقيم والرحمة بما يكفى ليستقر وجدان الأطفال فى حياة هادئة بعيدة عن التجاذبات السياسية والصراعات الفكرية التى لن تجنى على ما عداهم. إن هذا الفيديو يسلط الضوء على آلية إدارة حركة حماس للقطاع، خصوصاً أن المشاهد المصورة كانت ضمن دورة أقامتها وزارة الأوقاف الفلسطينية فى حكومة غزة، والتوضيح الصادر عن المشاركين فى الدورة والإشارة إلى أن المقاطع مجتزأة لا يعفى من المسئولية، فما تم تصويره هو جزء من النشاط الذى قامت به الوزارة والذى استهدف أطفالاً كثيرين منهم من لم يتجاوز الثالثة عشرة من عمره فى إطار استتابتهم ورجوعهم إلى الله! بما تركه فى نفوس الأطفال من آثار بالغة الخطورة على صحتهم النفسية والفكرية والمجتمعية، فضلاً عن إحساسهم بالذنب الأليم وكأنهم أساس البلاء الذى يعيشه القطاع. قطاع غزة يضج بمشاكل لا أول لها ولا آخر، لكن يقيناً أن هؤلاء الأطفال ليسوا جزءاً منها، بل هم ضحاياها، هناك ما يكفى من البؤس الذى لن تحله تلك الدعوات المشبوهة القائمة على السيطرة وامتلاك عقول الأطفال وترهيبهم وإخضاعهم لظروف نفسية غير إنسانية، وبدلاً من تطوير المناهج التعليمية ووضع برامج تدعم التراث والهوية الوطنية وتنشر ثقافة الاعتدال والإيمان بعدالة القضية الفلسطينية وترسيخها فى أذهان الجيل الناشئ، يتم استباحة حقوق الأطفال وبراءتهم وامتهان كرامتهم ونشر أفكار لا تخدم سوى التطرف الدينى والترهيب النفسى، ومحاولة مسئولين فى «حماس» تبرير ما حدث بأنه لا يتعدى كونه اجتهاداً فردياً، ما هى إلا محاولة فاشلة للتغطية على الموضوع واستخفاف واضح بعقول المواطنين وانتهاك للحريات العامة والخاصة، فمن يسمون أنفسهم بالدعاة استباحوا المدارس وسيطروا على عقول الأطفال وشوهوا براءتهم، واعتدوا على كل أصول وقواعد وقوانين وأنظمة التربية والتعليم، فماذا بعد؟!