كانت المرة الأولى التى ألتقى فيها بكلب فى هذا الحجم، يقترب من حجم جحش صغير. كنت فى أول أيامى فى فيينا، ولم أر فى حياتى سلالة ضخمة مثل هذه فى حجم أرهبنى، ما راعنى أكثر أنه توجه نحوى كهدف، ورغم أننى بطبيعتى أحب الحيوانات والكلاب بصفة خاصة، كان رد فعلى تلقائياً، وهو أننى انحنيت نحو الأرض كأنى سأحمل طوبة أو زلطة -وهنا فى مدينة فيينا لا توجد لا طوبة ولا زلطة- لكن غريزتى القاهرية القديمة غلبتنى وألهمتنى فوراً بأن «أهوّشه» فيعود من حيث أتى، تماماً كما كنا نفعل ونحن صغار حين يهاجمنا كلب. صاحبه الذى كان يسير خلفه حدثنى بألمانية لم أفهمها فى ذاك الوقت، ولم يفهم ماذا أفعل بانحناءاتى الغريبة المتكررة هذه، كرر كلامه بالإنجليزية أن الكلب لن يفعل شيئاً، لم أصدقه إلا حين توقف الكلب بالفعل أمامى ووجهه يكاد يلمس وجهى. اطمأننت فقط حين رأيت ذيله يهتز! * أتساءل مع مرور الزمن: لماذا يتعامل معظم الناس فى بلداننا العربية مع الحيوانات الأليفة وحيوانات العمل بل والحيوانات الضالة أو حيوانات البرارى بقسوة واستهتار. لماذا نضرب الكلاب بالطوب، والحمير بالأسياخ والشوم، ونطارد القطط، ونقتل الثعابين، ونحن لا نفرق بين السام منها وغير السام؟ ولماذا ندمر الأشجار والنباتات ونجهض التربة الزراعية بالبناء عليها بدلاً من أن نبنى على الأرض البور؟ هل يدرك أحد كم يكلف تخصيب فدان واحد من الأرض البور لكى يتحمل زراعة القليل من الخس أو البرسيم؟ ولماذا نعتبر فى بلداننا العربية أى شىء عام -كالشارع والحديقة والمدرسة ومحل العمل والأتوبيس والقطار وبقية وسائل المواصلات وغيرها- كأنها أشياء لا نملكها؟ لماذا نفقد حس الملكية العامة كأن لا قيمة لها؟ * البعض ينتقد سلوك الناس فى الغرب على مبالغتهم فى الاعتناء بالحيوان. فى جانب متطرف من هذه العناية لهم كل الحق، فأن يكون هناك طبيب نفسى للكلاب، أو أن يتم تفصيل ملابس غالية لها أو توفير وسائل رفاهية مبالغ فيها؛ فإن هذا لا يثير حنق الناس فى الشرق فقط بل فى الغرب أيضاً، وهى حالات نادرة لا يمكن تعميمها لكنها موجودة. كثيراً ما يتم خلط الوجه الرحيم للرفق بالحيوان فى الغرب مع الوجه المتطرف الذى يؤله الحيوان. ومع ذلك لا بأس من تعلم احترام الحيوان والاعتناء به، بل إن الكلب الذى يُدخلونه هنا فى الغرب إلى مدارس الكلاب، ويكاد يصل سعره إلى سعر أغلى سيارة حديثة، يتلقى تدريباً على أعلى المستويات ومع مدربين على درجة عالية من التأهيل، فيفهم الكلب فى إشارات المرور ليسحب الضرير ويعبر به فى أمان، وقد يذهب إلى محل الجرائد ليحضر الجريدة للمقعد، أو إلى البقال ليحضر فى سلة مربوطة على ظهره بعض الاحتياجات الصغيرة لطاعنة فى السن (بالطبع لا يطلبها الكلب بنفسه بل بورقة مكتوبة توضع فى السلة). يتدرب أيضاً الكلب على التعرف على الأشخاص الأحياء الموجودين تحت ركام فى حالات انهيار البيوت أو فى حالات الزلازل أو الانهيارات الثلجية، وفى المطارات فى الكشف عن حالات تهريب المخدرات وغيرها. * لم نتعلم فى الشرق من صغرنا، سواء فى البيت أو الحضانة أو المدرسة، كيف نتعامل مع الحيوان، لا أحد يعلمنا خطأ قسوة وحرمة تعذيب الحيوانات، ما رأيته بنفسى فى شوارع مصر يوجع، خصوصاً ضرب الحمير بلا رحمة لتجر أثقالاً غير عادية، يجعلنى أكره هذا التطرف أيضاً. فرفقاً بالحيوان والنبات والجماد؛ ففى نهايتها نهاية للبشرية أيضاً لو تعلمون! (فيينا، فى 3-1-2013)