قولاً واحداً: أثق فى الرئيس «عبدالفتاح السيسى»، وإيمانه بالسيادة الوطنية على أرضنا وعدم التفريط فى شبر واحد أو حبة رمل من أرضنا، وحرصه على الأمن القومى للبلاد.. أتحدث عن ترسيم الحدود المائية بين مصر والمملكة العربية السعودية.. والذى انقسم حوله الرأى العام كالعادة. نحن شعب لا يبيع أرضه ولا يقايض عليها ولا يؤجرها من الباطن.. هذه عقيدة الجنود الذين استشهدوا دفاعاً عن جزيرتَى «تيران وصنافير»، خلال حربى 56 و67، وهى أيضاً «شرف» الفلاح والصعيدى فى كل بقاع مصر.. وعرض الصبايا الذى نفديه بالدم. نحن لنا «السيادة» كاملة على الجزيرتين.. وإن ظلت «الملكية» متنازعاً عليها منذ الخلافة العثمانية وحتى توقيع الاتفاقية، ولدى كل طرف «مصر والسعودية» من الوثائق ما يؤكد حقه الجغرافى فى الجزيرتين أو ينفيه. لكن المأساة الحقيقية أن الشعب المصرى استيقظ ليجد نفسه أمام صدمة «الحدود المائية» التى أطاحت بالجزيرتين، فأحس بالوجع والتجاهل والخجل أيضاً لأن أبواق «الإخوان» استغلت الفرصة وأخذت تزايد على الموقف المصرى بكل سفالة.. وهنا يأتى دور التاريخ. الوجدان المصرى يرفض فكرة «الحكم بالصدمة»، التى فعلها «السادات» حين وقّع «كامب ديفيد»، يرفض أن يوقع رئيس الوزراء ثم تُعرض الاتفاقيات الدولية على «مجلس النواب»، إنه يفضل تهيئته نفسياً لأى حدث سياسى جلل. كما أن الحديث المكرر عن «رد الجميل» للسعودية لأنها ساندت مصر حديث مهين، فرد الجميل لا يكون بالأراضى.. ولا بالتعتيم على قرار سيادى وُصف بأنه «تفريط فى الأرض»!. الثابت من كل ما تداولته وسائل الإعلام -حتى الآن- أن الجزر مملوكة للسعودية، وأن لمصر السيادة الكاملة عليها منذ عام 1950، «برغبة سعودية»، وحتى هذه اللحظة. وتصنع الجزيرتان ثلاثة ممرات من وإلى خليج العقبة تجعل لهما أهمية استراتيجية، تكمن فى أنه يمكنهما غلق الملاحة فى اتجاه خليج العقبة.. وهو ما قد يدفع «إسرائيل» للتحفظ على اتفاقية «ترسيم الحدود المائية» رغم إعلان الجانبين الالتزام بالاتفاقيات الدولية. فالجزر جزء من المنطقة (ج) التى توجد فيها القوات الدولية، وهو ما أعاق استغلالها فى الأنشطة السياحية، رغم أهميتها السياحية وما تردد عن وجود مخزون من البترول فيها، ومن المقرر أن يمر بالجزيرتين الجسر المزمع إنشاؤه بين المملكة ومصر. كل تلك الأمور لم تشغل الرأى العام الذى انقسم كل جانب بحثاً عن أدلته، وبدأ نشر دقائق للزعيم «جمال عبدالناصر»، على نطاق واسع، يقول فيها إن الجزر مصرية. والغريب أن الجماعة الإرهابية هى التى كانت تنشره.. فيما أخذ البعض الآخر يطلب شهادة «مبارك» على القرار الجمهورى الذى صدر عام 1990 بتحديد حدود مصر البحرية، والجزيرتان كانتا غير موجودتين.. وحتى لا تأخذنا المهاترات بعيداً: هل يجوز الاحتكام للشعب مباشرة؟ نعم الشعب يستفتى. هذه اتفاقية تتعلق بحقوق «السيادة»، حتى لو كانت على جزر غير مأهولة بالسكان ولا يمكن استغلالها.. وبالتالى يجب أن يطلع الرأى العام على الوثائق التى تؤكد ملكية السعودية لجزيرتى تيران وصنافير منذ عهد الدولة العثمانية، عام 1906، وحتى الآن.. لكن أن ينتظر الشعب إطلالة السفير «سامح شكرى» على برنامج «هنا القاهرة» ليعرف «الحقيقة» فتلك كارثة بكل المقاييس. نحن دولة فاشلة فى «إخراج القرار السياسى»، تتعامل بغطرسة وتعال مع الرأى العام رغم أن الشعب هو المالك الأصلى للدولة وهو الذى دافع عنها وحررها بدمائه. ويبدو أن هذا الشعب الجبار لا يثق فى نوابه حتى الآن، وهو ما قد يفرض علينا اللجوء للاستفتاء الشعبى «كما نص الدستور».. دون أن نتذرع بحجج واهية مثل تكلفة الاستفتاء أو ضعف الإقبال الشعبى عليه. إن لم يقتنع الشعب المصرى بأحقية السعودية فى جزيرتَى «تيران وصافير» فلن يغفر أبداً للقيادة السياسية اتفاقية ترسيم الحدود المائية.. إنها بوابة «فوضى محتملة».. فجنبونا إياها. البعض يسأل: لماذا لم تتعامل الدولة بنفس الأسلوب فيما يتعلق ب«حلايب وشلاتين»، والرد ببساطة لوجود وثائق تثبت ملكية مصر لها، على العكس من جزيرتى تيران وصنافير.