كل واحد يعرف حدوده.. والريس هو الكبير.. والكبير ماحدش يقرب له.. ده الريس خط أحمر.. هو القائد والملهم.. هو المنزه عن الخطأ.. لقد ولد زعيماً.. أفلا تعقلون؟ من ذا الذى يهاجمه ويراجعه ويحاسبه؟ أليست بيعة المصريين له كبيعة المسلمين لإبى بكر -رضى الله عنه- كما أعلنها من قبل المرشد العام للإخوان الطبيب البيطرى «محمد بديع»، أليس هو حفيد عمر بن الخطاب -رضى الله عنه- كما صرح وصرخ بها الفنان «سابقاً» والداعية «حالياً» وجدى العربى! متى تشفون من أمراضكم يا معشر الصحافة والإعلام.. ألم يحن الوقت لكى تتطهروا من ذنوبكم وتغتسلوا بماء الجماعة الطهور؟ هذا إذن هو المراد أن يكون أصحاب الأقلام كالغلمان فى قصور الحريم.. وهذا أيضاً هو عشم إبليس فى الجنة. أصبحنا الآن نطالع يومياً تحريك دعاوى قضائية ضد الصحفيين والإعلاميين بتهمة هى عار فى جبين أى نظام يدعى أنه ديمقراطى، وهى «إهانة السيد الرئيس»، ولن نفتش فى ضمائر من يحركها، والمؤكد أيضاً أننا لا نقبل إهانة أى مواطن مصرى، سواء كان من جموع المهمشين وصولاً إلى رأس الدولة.. ولكن السؤال ماذا تعنى كلمة «إهانة الرئيس» وكيف يتم توظيفها؟ هل معنى مراجعة الرئيس ومحاسبته على تصريحاته وأفعاله إهانة؟ سواء كانت تلك المراجعة بمختلف الفنون الصحفية والإعلامية بالرأى أو التحقيق أو الحوار أو الكاريكاتير الذى حوله الآن المبدع باسم يوسف إلى مادة تليفزيونية مبهرة. الآن تصنفون الإعلام على حسب انحيازه لكم، وتقولون هذا إعلام مغرض وهذا إعلام شريف.. هذا إعلام الإنارة، وهذا إعلام الإثارة.. هذا إعلام «ثورتكم» وهذا إعلام «فلول».. كل هذه التصنيفات إن دلت فهى تنم عن جهل مطبق، فالتصنيف الوحيد للإعلام هو شىء وحيد، إعلام مهنى وآخر غير مهنى.. فهذه المهنة لها أصول ولها تراث من بينه.. رسام كاريكاتير عظيم اسمه «عبدالسميع» كان من رواد هذا الفن فى مجلة «روزاليوسف» -عروسة المجلات العربية- وكان صداع السلطة فى عهد الملكية، ووصل به الحال ذات يوم إلى أنه رسم مصطفى النحاس باشا بملابس بحر نسائية، وصحفى عظيم اسمه «إحسان عبدالقدوس» الذى اتهم الملك فاروق بالفساد، مفجراً قضية الأسلحة الفاسدة فى حرب فلسطين، وهو نفس الكاتب الذى مهد لثورة يوليو واعتقل فى عهد عبدالناصر، لأنه ظل مهنياً، وصحفى عظيم اسمه أحمد بهاء الدين وقف فى وجه الرئيس السادات عام 75، مدمراً فكر الانفتاح بمقاله الشهير «انفتاح السداح مداح»، وصحفى شجاع اسمه عبدالحليم قنديل كتب لحسنى مبارك ذات يوم «أشعر بالعار لأنك رئيس مصر»، وصحفى آخر حمل على عاتقه الغلابة فى هذا الوطن اسمه «مجدى مهنا» طالب مبارك بالرحيل، وقال له إن نظامه لن ينفع معه إصلاح، ولكن تغيير شامل، فضلاً عن أساتذتنا الذين أسقطوا مشروع توريث الحكم بأقلامهم قبل أن يسقطه الشعب. هذه هى مهنتنا كما عرفناها والأمانة التى حملناها من أساتذتنا والقسَم الذى أقسَمنا عليه فى نقابة الصحفيين.. مهما تحاصروا الأفكار عمرها ما تتحاصر.. والإهانة الحقيقية ليست فى صفحات الجرائد، ولكن ما ستسجله كتب التاريخ.. وكفاكم غروراً، فلن يبقى سوى عملكم تجاه هذا الوطن.. وزى ما قال عمنا صلاح جاهين «يا طير يا طاير فى السما طز فيك.. إياك تفكر أن ربنا مصطفيك.. برضك بتاكل دود وللطين تعود.. تمص فيه يا حلو.. ويمص فيك.. عجبى».