«عاصفة الحزم» بدأت 26 مارس 2015.. عندما بشَّر بها العقيد أحمد عسيرى قدّر أنها «لن تستغرق أكثر من أسبوعين».. عام كامل لم يحسم الحرب.. و«إعادة الأمل» لم تحقق الاستقرار.. لكنهما أكدا جدية السعودية فى التصدى للتمدد الإيرانى.. على وقع طبول الحرب، بدأت محادثات السلام مايو 2015، فى سويسرا وعمَّان ومسقط، تأثرت بأوضاع القوات، ومناطق النفوذ على الأرض، جبهة «الحوثى/صالح» وافقت على قرار مجلس الأمن «2216»، ثم نجحت السعودية فى تقويض تحالفهما، لتستكمل المحادثات مع الحوثيين، فى «علب» ثم «عسير» داخل حدود المملكة، المحادثات أوقفت الغارات على صنعاء، وسمحت بتبادل الأسرى والجثث، وأعلنت الهدنة على الحدود منذ 9 مارس، لإدخال المواد الطبية والإغاثية للقرى اليمنية، وفد الحوثى برئاسة محمد عبدالسلام عرض فى الرياض، الاعتراف بشرعية هادى، مقابل انسحاب ميليشياته لصعدة، والاحتفاظ بالأسلحة، وعدم متابعة قياداتها، وامتناع الجيش عن اقتحام المحافظة، السعودية رفضت لأن قوات الجيش المدعومة بالتحالف تحتشد بجبهة «نهم» شرق صنعاء استعداداً لتحرير العاصمة، لكنها تجاوبت مع مطلبهم بوقف شامل للأعمال القتالية، وعدم الاقتصار على المنطقة الحدودية، اعتباراً من 10 أبريل، على أن تبدأ مباحثات السلام بالكويت 18 أبريل برعاية الأممالمتحدة. الحساسيات السياسية، وإعادة ترتيب البيت، وتعديل توازنات القوى، كانت وراء الإطاحة ببحاح.. وجوده كنائب للرئيس طرحه كبديل ل«هادى»، فى كل مناسبة تعرض فيها النظام لتحديات سياسية أو عسكرية، خاصة أنه يحظى بتأييد الإمارات، ورضا الحوثيين!، تعيين الفريق على محسن الأحمر الممثل لحزب التجمع اليمنى للإصلاح «إخوان اليمن»، نائباً للقائد الأعلى للجيش، ثم نائباً للرئيس، بقدراته العسكرية، وثقله القبائلى، ومعاداته لصالح والحوثيين، وتعيين الدكتور أحمد عبيد بن دغر نائب رئيس حزب «المؤتمر الشعبى العام» المنشق على صالح، رئيساً للوزراء، يعتبر استباقاً لمفاوضات الكويت، بتحذير الحوثيين من أن البديل لاحتمالات الفشل هو استمرار الحرب، وتحولها إلى تصفية حسابات بينهم وبين الإخوان، واستبعاد أى فرصة لمشاركة «صالح» كطرف فى التسويات السياسية، التعيينات الجديدة عززت الرصيد الشعبى للسلطة، على حساب الحراك الجنوبى، وعكست مرونة سعودية فى التعامل السياسى مع الموقف، وسعيها لتطوير علاقتها بإخوان اليمن، لاستثمار ثقلهم كتنظيم يمنى يرتبط بها، بصورة تفوق ارتباطه بالتنظيم الدولى!، وهو نفس موقفها من إخوان سوريا، الأمر الذى يمثل انفراجة لوضع الإخوان المتأزم إقليمياً، وهو اتجاه قد لا يحظى بارتياح بعض حلفاء السعودية، خاصة مصر والإمارات، وإن كانا يتفهمانه. المظاهرات الاحتجاجية بصنعاء بمناسبة مرور عام على بدء «عاصفة الحزم» جسدت الشقاق بين الحليفين.. «صالح» ألقى كلمته بميدان السبعين، والحوثى بمنطقة الروضة، ومئات الألوف من الجماهير المحتشدة، الذين شارك معظمهم فى إسقاط صالح 2011، لم يخرجوا للتأييد، أو الندم، إنما ليبدوا استياءهم من البديل الأسوأ، الذى أدى لتدهور الأوضاع السياسية والأمنية والمعيشية.. رسالة ينبغى أن توضع فى اعتبار السعودية ودول مجلس التعاون إن أرادوا احتواء اليمن ضمن نطاقهم الدفاعى.. القوات الحكومية مدعومة بالتحالف أخرجت الحوثيين من عدن ومعظم المحافظات الجنوبية «لحج، الضالع، شبوة، وأبين»، وتوقفت فى حدود محافظتى «تعز والبيضاء»، القوات المقبلة من السعودية شمال اليمن تقدمت واستعادت السيطرة على أجزاء واسعة من محافظتى «مأرب والجوف».. «داعش» و«القاعدة» استغلا فرصة انشغال القوات فى حرب الحوثيين للتمدد فى الجنوب، بعض القيادات العسكرية بالمحافظات استفادت من نشاطهما الطائفى المضاد ل«أنصار الله»، وغضُّوا البصر عنهما، القاعدة سيطرت على أحياء كاملة من عدن مثل «المنصورة»، وداعش تستهدف المحافظين وقادة الأمن والشرطة، وتفجر السيارات المفخخة حتى على عتبات القصر الجمهورى، وأصبح الخطر يهدد الملاحة بباب المندب، ما يفرض استمرار الحضور العسكرى المصرى، بغض النظر عن الوضع فى اليمن أو موقف التحالف، أمريكا والدول الغربية تحث على التصدى، وقوات التحالف بدأت منتصف فبراير شن غارات على مواقع «القاعدة» بمحافظات «أبين، لحج، شبوة، وحضرموت»، لكنها لم ترصد مواقع تمركز خلايا «داعش»!. التطورات الأخيرة فى مسار الأزمة اليمنية تأتى انعكاساً لمعطيات الموقف على مستوى الإقليم، استراتيجية الحرب ضد «داعش والقاعدة» تحظى بالأولوية الدولية، وتتصدر التفاهمات السعودية مع الحوثيين، وضمن مبررات «صالح» لرفض حل الميليشيات وتسليم السلاح، حتى لا يحدث فراغ يسمح بتمددهما.. أوروبا تدفع مختلف الأطراف فى اتجاه التسوية السياسية للتفرغ للأزمة السورية، وأمريكا تساعد بالمتابعة والوساطة بين الأطراف، والتدخل لتذليل العقبات، والوعد بالدعم.. على أكبر ولايتى، مستشار المرشد الأعلى لإيران، لوَّح بالتدخل فى اليمن ضمن التعاون الروسى الإيرانى الذى حقق مكاسب استراتيجية فى سوريا، والجنرال مسعود جزايرى نائب رئيس الأركان هدد بإرسال مستشارين عسكريين لدعم الحوثيين، يوسف الفيشى «أبومالك» عضو اللجنة الثورية العليا ل«أنصار الله» دعا إيران ل«الصمت، والكف عن المزايدة والاستغلال، والابتعاد عن الملف اليمنى»، رسالة تعكس متغيراً رئيسياً، اعتبرها الجبير «إيجابية».. المملكة جمدت دعماً يبلغ قرابة 4 مليارات دولار للجيش وقوى الأمن الداخلى فى لبنان، رداً على دعم «حزب الله» للنظام السورى، وحوثى اليمن، واتخذت مع دول الخليج قراراً باعتبار الحزب تنظيماً إرهابياً. النظام السعودى الراهن ورث تركة إقليمية ثقيلة، نتيجة للتسامح والمهادنة، فى مواجهة تهديدات، بعضها حول اليمن إلى خنجر مغروس فى خاصرة المملكة.. مجلس التعاون ترك اليمن يغرد وحيداً، وسمح بممارسة على صالح -بانتهازيته وولعه بالسلطة- لدور سياسى رغم عزله، فى واقع قام بتشكيله عبر سنين حكمه، على نحو تحولت فيه مؤسسات الدولة -وعلى رأسها الجيش والشرطة وأجهزة الأمن- إلى مؤسسات خاصة تابعة له، لا تستهدف سوى حمايته، وتغافل عن متابعة الدعم الإيرانى للحوثيين، وتسامح مع نمو قوتهم، وتحديهم للدولة، قبل اختطاف السلطة، وتهديد المملكة، باختراق أراضيها فى «الربوعة» بعسير، و«الخوبة» بجيزان، والقصف الصاروخى والمدفعى للبلدات والقرى الحدودية التى تجاوز عدد ضحاياها خلال عام 375 مدنياً، بخلاف الجرحى، مما دفع الرياض لإخلاء عشر قرى، وإغلاق المدارس، وتهجير 7000 مدنى.. السعودية لا تستطيع الحرب على كل الجبهات المفتوحة.. اليمن ذات طبيعة خاصة، تسببت فى جرح عميق للجيش المصرى العريق، فما بالك بالجيش السعودى الفتى، الذى لم يخض حرباً خارجية واحدة منذ توحيد المملكة، بالخيل والسيوف والرماح، لذلك فإن مباحثات السلام والتسوية السياسية هى الاختيار العاقل، بعد «عاصفة التأديب والترويض» التى كانت لازمة وضرورية.. احتواء اليمن ضمن مجلس التعاون يعتبر التزاماً حتمياً، لحماية خاصرة المملكة.. فهل أعددنا لذلك عدته؟!.