عبر منحها اللجوء الإنساني لاثنين من المعتقلين السابقين في غوانتانامو، أكّدت السنغال مرّة أخرى رغبتها في أن تكون "أرض لجوء"، وأحد حماة حقوق الإنسان خاصة أنها سبق وأن منحت حق اللجوء للعديد من الشخصيات الإفريقية، رغم ما أثاره هذا التوجّه من تحفّظات لدى بعض السياسيين والسكان، في وقت تلقي فيه التهديدات الإرهابية بظلالها على البلاد، بحسب شهادات للأناضول. فعلى هامش الاحتفالات المنتظمة، الاثنين الماضي، بمناسبة الذكرى 56 لاستقلال البلاد، أعلنت السلطات السنغالية أنها ستمنح اللجوء الإنساني لاثنين من الليبيين المعتقلين منذ 14 عاما في غوانتانامو دون تهمة أو محاكمة وتم إطلاق سراحهما دون توجيه أي تهم رسميا اليهما. وباستقبالها للسجينين سليم عبد السلام الغريبي، 55 عاما، وعمر خليف محمد أبو بكر، 44 عاما، تكون داكار استجابت "بشكل إيجابي لطلب واشنطن"، بحسب وزير العدل السنغالي، صديقي كابا، والذي شدّد، خلال مؤتمر صحفي عقد مساء الاثنين الماضي، أنّ "الرئيس السنغالي ماكي سال وافق على احتضان المعتقلين لأسباب إنسانية". الوزير أوضح في السياق نفسه، أنّ "الأهمّ بالنسبة لنا، هو أن نسهم في غلق معتقل غوانتانامو بسبب الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان المسجّلة فيه". من جانبها، أوضحت وزارة الخارجية السنغالية، في بيان لها، أن إسناد "اللجوء الإنساني" لليبيين يندرج ضمن "تقاليد حسن الضيافة السنغالية والتضامن الإسلامي مع اثنين من الأشقاء الأفارقة ممّن أعربا عن رغبتهما في التوجّه والاستقرار في السنغال عقب الإفراج عنهما". ولئن حظي القرار السنغالي بإشادة واسعة من المدافعين عن حقوق الإنسان في السنغال ومن المنظمات الدولية، من ذلك "هيومن رايتس ووتش"، والتي رحّبت ب "الرحمة" التي أبدتها الحكومة السنغالية إزاء الليبيين، إلا أّنه أثار بعض المخاوف لدى بعض سكّان البلاد. بوباكار ندياي، عامل سنغالي إلتقته الأناضول في العاصمة داكار، قال بنبرة يغلب عليها الإستياء: "كان على الحكومة أن ترفض ذلك "منح اللجوء الإنساني"، لأن عالمنا يشهد تطورا كبيرا للإرهاب، وبلدنا مهدّد بهذه الآفة كغيره، وهذا ما يحتّم علينا إلتزام الحذر، آمل أن يكون الأمريكان قدّموا مساعدة مالية لمراقبة الليبيين". موقف هذا العامل السنغالي لا يختلف كثيرا عن تلك التي تزدحم بها مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تواترت الانتقادات، لتعكس مخاوف الكثير من سكان البلاد من تداعيات قرار يرون أنها قد تمسّ بأمن البلاد في سياق عالمي يتّسم بتواتر التهديدات الإرهابية. ماميه غور نغوم، الصحفي والمحلل السياسي السنغالي، رأى من جانبه، أنّ بلاده "جازفت باتخاذها مثل هذا القرار، في ضوء الظروف الراهنة، غير أن هذا لا يمنع أن البلاد تسعى، من خلال هذه اللفتة، إلى تحسين سمعتها أكثر في مجال حماية حقوق الإنسان". وأوضح نغوم الذي يشغل منصب رئيس تحرير صحيفة "لا تريبين" اليومية "مستقلة"، في تصريح للأناضول أنه "بلدان العالم تناقلت اسم السنغال، وذلك منذ إعلانها منح اللجوء لليبيين". أما ماندياي ثيوباني، رئيس تحرير مجلة "الأفق الجديد" السنغالية، فقال إنّ بلاده "حاضرة في جميع الأرجاء التي تكافح فيها الأممالمتحدة من أجل السلام، وهي معروفة، قبل ذلك، بتقاليدها في حسن الضيافة والاستقبال". وفي الواقع، فإن تكون السنغال "أرض لجوء" وضيافة لا يعتبر جديدا بالنسبة لهذا البلد المعروف بتقاليده وبرغبته الدائمة في استقبال اللاجئين والمنفيين على اختلاف مشاربهم وانتماءاتهم، وليس أدلّ على ذلك من هذا البلد "يأوي" الرئيس التشادي السابق، حسن حبري "1982- 1990"، والذي أطاح به الرئيس التشادي الحالي إدريس ديبي إتنو، ما أجبره على اللجوء إلى السنغال. واعتقل حبري في 2013، قبل أن يقدّم للمحاكمة أمام "الغرف الإفريقية الاستثنائية"، وهي مجموعة من المحاكم المختصة أنشأها الاتحاد الإفريقي بشراكة مع دولة السنغال، ومقرها داكار، بتهم ارتكاب "جرائم ضدّ الإنسانية" و"جرائم حرب"، أثناء فترة حكمه، فيما من المنتظر أن يصدر الحكم في 30 مايو/ أيار القادم. السنغال احتضنت أيضا مئات اللاجئين الغامبيين الفارين من النظام القمعي في بلادهم، على حدّ وصف مراقبين، من ذلك مغني "الراب" علي شام الملقّب ب"كيلا الآس"، هذا الفنان الذي وجد نفسه مجبرا، في ال 23 من يونيو الماضي، على مغادرة بلاده عقب إصداره لأحد أغانيه التي تضمنّت كلمات مستنكرة لمصادرة الحريات من قبل الرئيس الغامبي يحي جامع. وعلاوة على ذلك، استقبلت السنغال 162 طالبا من هايتي، عقب الزلزال المدمر الذي ضرب بلادهم في 12 يناير 2010، حيث فتحت الجامعات السنغالية، وخاصة جامعة الشيخ أنتا ديوب بداكار، أبوابها لهؤلاء الطلبة بمادرة من الرئيس السنغالي السابق عبد الله واد، بحسب تقارير إعلامية. ولم يقف الأمر عنذ ذلك الحدّ، وإنما قال واد حينها إنّ السنغال مستعدّة لتقديم "منطقة بأكملها" لمشردي الزلزال، في حال قرّروا "العودة إلى جذورهم"، على حدّ تعبيره. اللاجئون الموريتانيون كانوا أيضا من بين الذين حظوا باستقبال السنغال في فترة ما، حيث يعيش اليوم نحو 13 ألف موريتاني في مختلف أرجاء السنغال، وقع إدماجهم جميعا في المجتمع السنغالي وحصلوا على بطاقات اللجوء التي تمنحهم الحقوق ذاتها التي يتمتّع بها السنغاليون، باستثناء حقّ الإنتخاب، بحسب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة. المفوضية الأممية، والتي أشادت بجهود السنغال في هذا الصدد، ، كشفت في تقرير نشر في 2013، أنّ "وضعية اللاجئين وطالبي اللجوء في هذا البلد نموذجية، في عالم أصبح يعتبر طلب اللجوء فيه تهديدا لأمن الدول".