«وحياة شرف أبوكى لو فتحتى بوقك بكلمة لقطمت رقبتك.. أيوة اتعدلى كده.. إنتى عارفة إن كلمتى مش ممكن تنزل الأرض أبدا.. حنفى.. خلاص حتنزل المرة دى».. لم يكن هذا المشهد الشهير الذى دار فى فيلم «ابن حميدو» إنتاج عام 1957، وليد الصدفة بين الراحل القدير عبدالفتاح القصرى «سى حنفى» والفنانة القديرة سعاد أحمد «أم حميدة»، وإنما مشهد سبق عصره، ولم يتخيل كاتب الفيلم عباس كامل، أن هذه الجمل التى نالت من صيحات الإعجاب فى دور السينما، سيكون لها حضور وتذكُّر فى يومنا هذا، وربما لعهود مقبلة، فشخصية «سى حنفى فى ابن حميدو» تكاثرت وكبرت ونضجت وأصبح هذا «الكاراكتر» يحمل أسماء أخرى. فأحياناً يتقمص دور حنفى مرسى وأحياناً تعجب الشخصية قنديل، وفى معظم الأحيان يتسابق المسئولون فى تقمص دور «سى حنفى» حتى وجدنا حنفى عباس وحنفى حمدى وحنفى محمد بركات بعد عدوله عن اعتزاله فى مذبحة بورسعيد وعماد متعب قرر الاعتزال الدولى وعدل عن قراره، فمن الطبيعى أن تجد عدداً من الرياضيين أو السياسيين أو المحللين أو النشطاء يتقمصون هذا الدور، لسبب بسيط لا يكلف البطل سوى إقرار موقف والتمسك به ثم العدول السريع عن القرار، دون إبداء أى أسباب وهى أعظم ملامح إدارات الدول النامية، ولكن أدوار البطولة الحقيقة فارغة تبحث عن البطل الجسور الذى يتمسك بموقفه فى الحق وفى النور الذى لا يتلون ولا يغير الأقنعة، فمع الأسف البطل الذى يتمسك بالدور الصعب لا يُكمل مسيرته ليعود إلى دور السنيد «سى حنفى».. إن قرار محمد أبوتريكة لاعب الأهلى، بعدم المشاركة فى لقاء السوبر أمام إنبى كلّفه الكثير، لكنه لم يتراجع ولم يرضَ بدور «سى حنفى»، وفضّل أن يبقى «سى السيد»، ومع كل يوم أرى فيه قرارات اتحاد الكرة أشعر أن معظم أعضائه يتقمصون دور «سى حنفى» بنزول كل قراراتهم الأرض، بداية من قرارات عودة الدورى الكاذبة، ومروراً بالعقوبات والمسلسلات السخيفة التى كتبوا فيها سيناريوهات تنم عن فشل إدارى، والتراجع عن اتخاذ قرارات عادلة، مع مجاملات صارخة لم تكن لديهم فيها حمرة خجل فى احترام أنفسهم أولا قبل احترام المتابعين، حتى نصل إلى القرار النهائى بعودة الدورى 2 فبراير بدون جماهير، وإجراء قرعة دورى المجموعتين. وحاول اتحاد الكرة أن يكون على قدر المسئولية، وقام بإعلان مجموعتين لدورى الموسم الجديد، مجموعة على رأسها الأهلى، والثانية على رأسها الزمالك، وأقر القرعة، وهنا رفض أحمد مجاهد عضو اتحاد الكرة، بطولة ثروت سويلم المدير التنفيذى لاتحاد اللعبة، وقام على الفور بغلق الأبواب، وقال للمدير التنفيذى «سى سويلم».. وأجابه سى مجاهد.. لا يمكن أن نُغيّر، القرعة دى اتعملت بشفافية وفى حضور كل المندوبين عن الأندية.. سى سويلم.. حنعمل قرعة جديدة بالبركة.. إنت عارف إن كلمتى مش ممكن تنزل الأرض أبداً.. مجاهد.. وهكذا تهافت مجاهد على دور السنيد وقام بارتداء قناع عبدالفتاح القصرى، أقصد «سى حنفى» ومسك فى الدور بإيديه وأسنانه وقام بإجراء قرعة جديدة، هكذا هو الحال فى اتحاد الكرة مثل باقى الحال فى «دولة حنفى»، فلا يمر علينا يوم واحد دون أن تتذكر فيلم «ابن حميدو»، فى الرئاسة، وفى القضاء، وفى الرياضة، وفى الإعلام، وفى اتحاد الكرة، لماذا نعشق «سى حنفى» ونتنكر من «سى السيد»؟ هل أصبح العدول عن القرار والتراجع عن القول هو السمة التى اتفقنا عليها جميعاً رغم اختلافنا فى كل شىء؟ بس صدقونى الدور ده بتاع «سى حنفى» مش لايق غير على الراحل القدير عبدالفتاح القصرى، مش شايف فيه أى بطل من الناس الكتير اللى حاولت تتقمص الشخصية، فيبقى «سى حنفى» للقصرى، وتبقى دولة «سى حنفى» لنا لنعيش فيها النفاق بكل أشكاله، ولكن يجب أن نتذكر أن اختيار الدور ليس إجبارياً، ولكن مصيبتنا فى اختيار دور «سى حنفى» بأنفسنا وعن قناعة تامة دون النظر إلى باقى الأدوار حباً منا فى هذه الحياة الكاذبة التى أجاد فيها الجميع الإمساك بخيوط اللعبة حتى ضاقت اللعبة ونحرت 72 شاباً وتناثرت الدماء على النجيل الأخضر، ولن نستطيع أن نصل إلى العدالة الكاملة ولا القصاص العادل ما دمنا فى دولة «حنفى» ونشعر أننا بذلك نكون أذكياء، ولكننا فى الحقيقة أغبياء، ولا نتعلم أبداً من التجارب السابقة، ولا من «سى حنفى» نفسه، ولا من توماس أديسون مخترع المصباح الكهربائى، الذى قال «العقبرية عبارة عن واحد بالمائة إلهام و99 بالمائة بذل مجهود»، ونحن لدينا عبقرية خاصة، واحد بالمائة مجهود و99 بالمائة إلهام من «سى حنفى»، ولم ندرك كياسة «نيوتن» التى تقول «الكياسة هى فن صنع هدف من دون صنع أعداء» ونحن نصنع دائماً الأعداء قبل صنع الهدف.. آه يا دولة حنفى..