هل فعلاً نحن لدينا معارضة؟ وما هو تعريف المعارضة فى ثقافتنا؟ هذان سؤالان من ضمن مجموعة أسئلة كثيرة ومتعددة حول مفهوم المعارضة السياسية فى الغرب وارتباطها بالواقع السياسى الحقيقى الذى تعيشه مصر ما بعد الثورة. هذه الأسئلة ستتيح لنا الفرصة لتقييم الكثير من التحركات والمواقف الحادثة فى المشهد السياسى المصرى فى مخاض نشأة الجمهورية الثانية. أولاً أحب أن أفرق بين ما كان يحدث فى عهد النظام البائد وبين كل ما هو قادم إن شاء الله، فالمعارضة الحقيقية سابقاً يحق لنا أن نطلق عليها مصطلح النضال السياسى أكثر من المعارضة السياسية، وذلك نظراً لطبيعة نظام مبارك الاستبدادى الشمولى الذى لم يترك مساحة حقيقية لمعارضته والوقوف أمام طموح عائلته ومَن حوله من عصابة المنتفعين الذين نهبوا البلاد وظلموا العباد، عليهم جميعاً من الله ما يستحقون. المعارضة، كما هو متعارف عليه، قيام حزب أو تيار بمعارضة السلطة الحاكمة فى نظام ديمقراطى يضمن التعددية السياسية وينظم المنافسة على الوصول إلى السلطة. هذا الإطار الديمقراطى الإجرائى يفرز كيانات سياسية متنافسة من أجل تحقيق غايات نفعية بشكل مباشر للكيان السياسى القائم، وهذا ينشئ تضارب مصالح واضحاً بين كل ما هو فى صالح الوطن وما هو فى صالح الحزب. المعارضة السياسية فى الغرب تسعى حثيثاً لإسقاط الحزب الحاكم وتعريته بل وتشويه المنافسين وتتتبع زلات رموزهم وتفضحهم قدر المستطاع وذلك لضمان إضعاف السلطة وازاحة المنافسين فيصبح الطريق ممهداً للوصول إلى سدة الحكم. وهذا أكثر ما يشغلنى ويؤرقنى، لأن المعارضة بهذا المضمون وفى دولة لا يمثل القانون فيها قبضة حقيقية ولا تجمعها منظومة قيمية أصيلة تأخذ الدولة إلى حالة من الفوضى وتشوه المشهد السياسى العام بل وتنقل هذا الشعور إلى المواطنين أنفسهم الذين قد يشعرون برغبة شديدة فى وجود نظام سلطوى حاد من أجل السيطرة على مقاليد الدولة واسترجاع مفهوم الاستقرار الاجتماعى المفقود. المعارضة الحقيقية التى يحتاجها الوطن هى البديل القويم الراشد القائم على فكرة إصلاح الدولة وبناء الوطن من خلال أدواته وأدوات غيره من المنافسين، فيكون مكملاً لغيره معارضاً متسلحاً ببدائل واقعية، يقدم مصلحة الوطن فوق كل اعتبار ولا ينظر إلى مصلحته إلا من خلال ما يعظم به شأن البلاد والعباد. من هذا المنطلق قد أتحفظ على لفظ معارضة وإن كنت لا أطرح بديلاً ولكنى أطرح مفهوماً غير باحث عن أسماء بعينها. قد أجد بغيتى فى كلمتين «أعينونى وقومونى» فى خطبة أبوبكر الصديق عند تسلم سلطته خليفة للمسلمين وهو يخاطب شعبه ليضع اللبنات الأولى فى نظامه السياسى الحاكم. التجربة المصرية الحديثة يجب أن تكون نموذجاً حقيقياً فى بناء منظومة سياسية جديدة تضع مصر على أعتاب الدول الكبرى فى إطار تنافسى فكرى وحضارى وليس مادياً فحسب، مصر لديها الكثير وأمامها الكثير، وفى النهاية.. أنا متفائل جداً.