تصوير الفيلم المستقل من خلال شركة إنتاج يضمن لصناعه جودة أعلى فى التصوير مع الحصول على تصاريح رسمية، ولكنه فى الوقت نفسه يكلف جهة الإنتاج مصروفات أعلى، ورحلة طويلة فى العرض على الرقابة، بالإضافة إلى مدة أطول فى التنفيذ، وفى النهاية الفيلم لا يرى النور سوى فى المهرجانات، أو لعدة أيام فى دور العرض إذا كان محظوظاً، ليؤكد الجميع أن استمرار السينما المستقلة مرتبط بإعادة الدولة للإنتاج السينمائى بشكل مباشر، أو إعادة النظر فى تلك المنظومة التى تقيد الإبداع بنصوص القانون. وأشارت المخرجة هالة لطفى، مؤسسة شركة «حصالة» للإنتاج، إلى أن القانون يمنع الأفراد من إنتاج أفلام سينمائية، وهو ما دفع البعض لتأسيس شركات إنتاج صغيرة تعمل فى دعم الأفلام البديلة. هالة لطفى: النقابات تفرض علينا «إتاوات».. والقانون يساوينا بمنتجى السينما التجارية وقالت «لطفى»: «نحن مجبرون على تأسيس تلك الشركات بأمر القانون، لأن النظام لا يعترف بالأفلام التى ينتجها أفراد، بالإضافة إلى قانون النقابات الفنية، فنحن ما زلنا نعانى من أعباء كثيرة مرتبطة بالتصاريح الخاصة بالأفلام التى يجب أن نحصل عليها من 5 جهات مختلفة، هى النقابات الفنية، ووزارة الداخلية، وجهاز الرقابة، للحصول على الموافقات، التى تعنى أموالاً ليس لها سند قانونى، حيث تعد مجرد «إتاوات» متروكة لتقدير كل جهة على حدة، مما يعطيهم سلطات مطلقة فى تحديد تلك المبالغ، بالإضافة إلى أننا نتساوى مع الكيانات الإنتاجية الكبرى فى الحصول على تصريح مزاولة النشاط من المركز الأعلى للثقافة، بالرغم من كوننا شركات ذات نشاط غير ربحى، وتفرض علينا ضرائب كأى شركة أخرى، ويعد هذا الوضع مهزلة ولكن ليس لدينا أى بديل آخر». وفيما يتعلق بإقامة تكتل بين الشركات العاملة فى إنتاج السينما البديلة، قالت «لطفى» ل«الوطن»: «هناك تنسيق بين الشركات والكيانات العاملة فى مجال الإنتاج، ولكن من الصعب التجمع تحت مظلة واحدة، بسبب البعد الجغرافى، واختلاف المشاريع والسياسة الإنتاجية، وعدم وجود خطة أو هيكل إدارى، بالإضافة إلى أن تلك الشركات ليست كيانات كبيرة بالمعنى المعروف، ولكنها تجمعات لمحبى السينما فى مواجهة الضغوطات التى تمارس ضدهم، وعلى العكس فالشركات رفعت الأعباء الملقاة على عاتق المخرجين، بجانب الضغوط من جانب الدولة، التى لا تقدم دعماً حقيقياً يذكر لصناع الأفلام، فمن مصلحتهم أيضاً عدم وجود كيان إنتاجى كبير». محمد زيدان: محاولات الإنتاج المستقل ليست كلها صادقة.. والمهرجانات الدولية المتنفس الوحيد وتابعت: «الفرصة الوحيدة المتاحة أمام المخرجين وصناع الأفلام هى أن تنتج الفيلم وتشارك فى مهرجان للحصول على جائزة، أو الحصول على دعم إنتاج من صناديق الدعم التابعة للمهرجانات، مقابل أن يعرض الفيلم للمرة الأولى فى المهرجان، لذلك يحرص المهرجان على دعمه ليخرج بالشكل اللائق، وهو ما ظهر فى مهرجان القاهرة، من خلال ملتقى «القاهرة السينمائى» وأخيراً انتبهوا لأهمية الملتقى، باعتباره السبيل الأهم لدعم الأفلام، بالإضافة إلى فتح سوق لتوزيعها، سواء فى الخارج أو فى الوطن العربى، دون الاعتماد على آليات التسويق المعتادة، التى تعتمد على أسماء النجوم فقط، ولكن الملتقى يفتح الباب للأعمال الجيدة، التى لها طموح فنى متميز». وأشارت مؤسسة شركة «حصالة» إلى أن الدعم اللوجستى المقدم من المركز القومى للسينما مجرد خدمات ضئيلة تقتصر على أعمال المونتاج وتصحيح الألوان، ويستفيد منها بشكل أكبر صناع الأفلام القصيرة، مؤكدةً أن الأفلام الطويلة تحتاج إلى نوع آخر من التقنيات، مشيرةً إلى أنها عندما كانت تقدم فيلمها الأول سافرت إلى اليونان لتصحيح الألوان، لافتةً إلى أن هناك جماليات معينة للفيلم يراها المخرج، ويجب أن يعمل عليها حسب الذوق الفنى الذى يتبعه. إيهاب أيوب: بعض الشركات حققت توازناً فى السوق.. وملتقى «القاهرة السينمائى» خطوة جيدة ويرى المنتج ناجى إسماعيل، مؤسس شركة «رحالة» للإنتاج السينمائى، أن شركات الإنتاج لا تحمى الأفلام المستقلة بقدر ما تفتح نوافذ جديدة لسينمائيين يحلمون بتنفيذ مشاريعهم الفنية، ويجدون من يتحمس لتجاربهم المختلفة. وقال «إسماعيل»: «نحن فقط نعدد من فرص الإتاحة، وأعتقد أن تعدد الشركات بتعدد إنتاجها واختلافه هو أمر جيد لصناع الأفلام وللجمهور بشكل عام، ويجب أن تكون هناك تكتلات بين شركات الإنتاج التى تعمل فى هذا المجال، وما يحدث الآن تعاونيات بسيطة بيننا، ولكننا نطمح فى أن يكبر هذا ويكون مؤثراً وضاغطاً على السوق التجارية أيضاً، فنحن فى النهاية نطمح إلى تقديم أفلام تعرض فى السينمات وتحقق إيرادات وأرباحاً، وهو ما ينقلنا لمشكلة التوزيع، فسيطرة نفس الأفراد على الإنتاج والتوزيع ودور العرض لا تسمح بتوفير أماكن عرض للشركات الصغيرة، وبالتالى التسويق الداخلى يعتمد على إقناع موزع بالسماح بالعرض لمدة قصيرة فى شاشة أو اثنتين على أقصى تقدير، أو من خلال سينما «زاوية»، أو من خلال المراكز الثقافية وهى فى النهاية لا تساعد فى مجملها على الاستمرارية فى الإنتاج، لأننا بهذه الطريقة لا نحقق أرباحاً». وتابع «إسماعيل» ل«الوطن»: «التحديات التى تواجهنا لا تحصى، فهى كثيرة ولكن ربما يكون أكثرها تأثيراً هو الاحتكار، فلا يليق أن يكون المنتج هو الموزع وهو صاحب دور العرض، فهذا لا يحقق أى تنافسية، ولا بد من وضع قانون لحل هذا الأمر، لأنه فى الأساس يعتبر فساداً، وفى الوقت الذى تعتمد فيه الأفلام على منح وصناديق دعم المهرجانات، أو مشروع الدعم الخاص بوزارة الثقافة، نجد أنها غير كافية للاعتماد عليها، فهذه الآليات تساعد فى تنفيذ أفلامنا، ولكن لا يصح أن تصبح مصدراً دائماً، فهذا عبث، ويجب أن نصنع أفلاماً تدر ربحاً، وبالتالى ننتج أفلاماً أخرى، فهذا هو الوضع الطبيعى، أما الاستكانة إلى هذه الآليات فقط فليس فى مصلحة الصناعة، لأننا نرغب فى النهاية أن يصبح لدينا جمهور، فالأفلام فى المقام الأول مصنوعة للمشاهدة وللجمهور». ومن خلال التجربة الجديدة التى خاضتها شركة «روفيز» للإنتاج المستقل، عندما قدمت فيلمها الروائى الطويل الأول «أوضة فيران»، يقول المخرج محمد زيدان: «لا تقدم شركات الإنتاج التى تعمل فى دعم السينما المستقلة أو البديلة، محاولات صادقة، فذلك يخضع للأهداف الحقيقية للشركة، خاصة مع صعوبة الظروف التى تواجه القائمين على الإنتاج من جانب قلة الموارد المالية، مما يجعلها تقدم تضحيات كبيرة لا يستطيع الجميع تحملها لفترات طويلة ليخرج الفيلم بالشكل المطلوب، وهناك مجموعة أخرى من الشركات تبحث عن الدعم والهدف المادى، بغض النظر عن مستوى الأفلام المقدمة، أو مدى مناسبتها للجمهور المتلقى، أو حتى دون البحث عن حلول للمشكلات التى تواجه الصناعة سواء من خلال الحصول على تصاريح أو التوزيع الداخلى لها فى دور العرض السينمائى». ناجى إسماعيل: احتكار التوزيع ودور العرض لا يترك لنا فرصة وتابع زيدان ل«الوطن»: «الفيلم مر بعدد من المراحل، ففى البداية التمويل كان بين القائمين على الفيلم، فقمنا معاً بشراء كاميرا والاستعانة بوحدة تصوير، وواجهت أكثر من مرة شبح التوقف، حتى حصل على دعم من مهرجان «دبى» السينمائى الدولى، وهو ما ساعدنا على إعادة بعض مراحل الفيلم، ليخرج بالمستوى اللائق، مقابل أن يعرض الفيلم للمرة الأولى فى المهرجان، كما شارك فى مجموعة أخرى من المهرجانات من بينها المغرب، البرازيل، ومهرجان الأقصر، كما تم توزيع الفيلم وعرضه جماهيرياً من خلال سينما «زاوية» فى القاهرة والإسكندرية، وإن كان توزيع فيلم تم تصويره بتكاليف منخفضة فى دور العرض المصرية، حلماً بالنسبة لنا وذلك بسبب المناخ الإنتاجى، ونمط صناعة السينما المنحصر فى الكيانات الكبرى». وأضاف: «هناك مجموعة كبيرة من العوامل تدعم توزيع الأفلام المستقلة داخل دور العرض السينمائى، منها وجود نجوم، بالإضافة إلى عدم وجود تفاعل بين الأعمال والجمهور، فتلك المشكلة موجودة لدى صناع الفيلم، لأن المتلقى لديه بالفعل جزء من أجزاء السينما، لذلك يجب أن تكون مهمتك تقديم الرسالة بشكل يتقبله الجمهور، وبالتالى يجب أن يراعى المخرج عدم وجود نجوم فى الفيلم، الذى يعد الجاذب الأكبر للجمهور، من خلال الاعتماد على تقنيات أفضل، أو تطور فى تناول المحتوى بشكل يناسب الجمهور، فيجب أن يقرب المخرج من المتلقى ولا ينتظر أن يأتى هو». بينما يرى المنتج إيهاب أيوب أن شركات الإنتاج تحمى صناعة السينما من خلال مجموعة من الفنانين الجادين والمكرسين حياتهم للسينما الفنية لتحقيق مجموعة من الأهداف. وقال «أيوب» ل«الوطن»: «يتعرض المخرجون والقائمون على تلك الشركات لسلسلة طويلة من الصعوبات، تبدأ من الميزانيات المحدودة لتقديم نتائج محترمة تختلف عن السائد فى دور العرض السينمائى، فى محاولة لتقديم تجارب مختلفة ترفع من الذوق العام، وفى الوقت الذى تقوم فيه صناعة السينما على المكسب والخسارة، لا تهدف تلك الأعمال للربح المادى بشكل كبير». وأشار «أيوب» إلى وجود بارقة أمل فى طريق السينما المستقلة، بدأت من خلال سينما «زاوية»، التى تعرض الأفلام غير التجارية، والتى نجحت فى جذب مجموعة كبيرة من عشاق السينما، وكونت شريحة جماهيرية مقبولة فى وقت قصير، لافتاً أيضاً إلى دور المنتج محمد حفظى، من خلال شركة «فيلم كلينك»، الذى يقدم أفلاماً ذات مضمون، ومحتوى غير استهلاكى، وتحمل فى نفس الوقت فناً راقياً، مما خلق توازناً على الساحة الفنية، ضارباً المثل بفيلم «لا مؤاخذة» للمخرج عمرو سلامة، الذى حقق إيرادات وحصد جوائز فى المهرجان القومى للسينما. وقال «أيوب» ل«الوطن»: «ينتج محمد حفظى أفلاماً يعلم أنها غير مربحة فى دور العرض السينمائى، فيلجأ لتقليل التكلفة الإنتاجية أو الحصول على دعم أو شراكة مع القائمين على السينما فى عدد من الدول أو المهرجانات الدولية، وهناك مجموعة من الشركات التى أنتجت أفلامً خارج المنظومة، مثل شركة أفلام مصر العالمية، بالإضافة إلى مجموعة من التجارب الفردية التى قدمها رضوان الكاشف، وعاطف الطيب، ومحمد خان وغيرهم الكثيرون، الذين نجحوا فى تقديم أعمال متوازنة بين الفنية والتجارية، كما قدم «السبكى» مجموعة من الأفلام ذات المستوى الفنى، التى تتحدث عن الواقع مثل «ساعة ونص»، و«واحد صحيح»، و«كباريه»، فهو يقدم أفلاماً تجارية بحتة يستطيع من خلال أرباحها أن يقدم أنواعاً فنية». وفيما يتعلق بملتقى «القاهرة السينمائى»، يرى إيهاب أيوب أنها خطوة جيدة ولكن لم تظهر نتائجها حتى الآن، مؤكداً أن التجربة أثبتت نجاحها بعد أن بدأت فى دبى وتونس لتنتقل إلى القاهرة، لتقام دورة واحدة قبل الثورة، وتعود مرة أخرى لدعم ما يطلق عليه «آرت هاوس موفيز» أو الأفلام ذات الميزانيات المحدودة والمستوى الفنى الراقى.