رحلة قصيرة زمنياً، لم تكد تكمل ستة أشهر، لكنها مليئة بالتحولات، مرّ بها الدكتور محمد مرسى، رئيس الجمهورية، منذ أول ظهور تليفزيونى له عقب إعلان فوزه بالرئاسة حين خاطب المصريين قائلاً: «أنتم مصدر السلطات، وإن لم ألتزم بتعهداتى لكم فلا طاعة لى عليكم»، وحتى اللحظة التى خرجت فيها حشود غفيرة من المصريين تنادى برحيل «الديكتاتور» وتكتب له على جدران قصره الرئاسى «ارحل»، بعد إعلانه الدستورى الصادر فى 22 نوفمبر الماضى. كان الإعلان الدستورى سالف الذكر الذى حصن به مرسى قراراته من الطعن عليها أمام القضاء، كما حصن مجلس الشورى والجمعية التأسيسية من أى أحكام قضائية بحلهما، هو «الذروة» أو «القشة التى قصمت ظهر البعير»، التى أخرجت مئات الآلاف من المصريين الغاضبين إلى الشوارع والميادين يطالبون مرة أخرى ب«إسقاط النظام»، لكن قبلها كانت أعين المصريين ترقب بدقة «بوادر صناعة فرعون جديد»، على حد قول كثير من المحللين. كانت البداية الواضحة، مبكراً نسبياً، مع القبض على 4 مواطنين كانوا يحتجون أمام قصره الرئاسى، وذلك بتهمة «إهانة رئيس الجمهورية والاعتداء على موكبه أثناء خروجه من قصر الاتحادية بمصر الجديدة». ثم جاء قرار مرسى بإقالة المشير طنطاوى والفريق عنان، وإصداره إعلاناً دستورياً منح به لنفسه سلطة التشريع. وإذا كان جانب من المعارضة والنشطاء استقبل هذا القرار بالترحاب بدعوى إقصاء «العسكر» عن المشهد السياسى فى مصر، فقد انتقده آخرون ورأوا فيه منحاً ديكتاتورياً، أخذ مرسى بمقتضاه، وعن غير حق، سلطة التشريع إلى جانب السلطة «التأسيسية» أو حق إصدار الإعلانات الدستورية. وجاءت الإشارة اللافتة التالية فى خطابه فى استاد القاهرة فى ذكرى انتصارات أكتوبر، وهجومه على المعارضة وانتقاداتها له. وقتها رصد المحلل السياسى الدكتور عمرو حمزاوى إشارات واضحة على وصفه ب«السلطوية» فى الكيفية التى دخل بها مرسى الاستاد وطريقة استقبال وهتافات أنصاره من جماعة الإخوان له. ولم تكد تمر أيام على هذه المشاهد «السلطوية» حتى كان مرسى يصدر قراراً بإقالة النائب العام بالمخالفة لقانون السلطة القضائية الذى «لا يجيز إقالته أو عزله بقرار جمهورى»، وهو ما اعتبرته المعارضة آنذاك «تدخلاً فى أعمال السلطة القضائية، وتغولاً من السلطة التنفيذية عليها» ودليلاً جديداً على ولادة ديكتاتور جديد، وهو ما فسره حزب التجمع بأن جماعة الإخوان «ترغب فى نائب عام ملاكى لتصفية خصومها والتغطية على جرائمها». استمرت الأمور تسير فى نفس الاتجاه، إلى أن احتدمت الخلافات حول دستور مصر الجديد ومضمونه، ودعا الرئيس أقطاب المعارضة للاستماع إلى رؤيتهم لحل الأزمة، ليفاجئهم بعد ذلك بالإعلان الدستورى الذى وصفوه ب«الكارثة»، والذى حصّن به مرسى قراراته من الطعن عليها أمام القضاء، كما حصّن مجلس الشورى والجمعية التأسيسية من أى أحكام قضائية بحلهما، والذى رأت المعارضة أنه يحوّله ل«فرعون أو إله فضلاً عن ديكتاتور». هذا ما يؤكده بعبارات أخرى الدكتور عمرو هاشم ربيع، مدير وحدة النظام السياسى المصرى بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، الذى كان أحد من اختاروا مرسى فى انتخابات الرئاسة، مشيراً إلى أن ممارسات وسياسات مرسى طوال الشهور الماضية والتى تمثل أشكالاً من الاستبداد، تؤكد أنه أصبح ديكتاتوراً، وأنه يعتقد أنه لمجرد أنه منتخب من حقه أن ينقلب على قواعد الديمقراطية التى أتت به. ويشير ربيع فى هذا الصدد إلى التعهدات التى قطعها مرسى على نفسه فى فندق «فيرمونت»، ولم يفِ بها، وتركه للتيار السلفى يعيث فساداً فى الشارع لإرهاب المعارضين ضاربين عرض الحائط بالقانون، انتهاء بالإعلان الدستورى والذى جعل قراراته منزهة عن الطعن عليها أمام القضاء، مشيراً إلى أن ذلك، بلغة أعضاء جماعات الإسلام السياسى، يُعتبر «شركاً بالله». هذا ما يؤكده رفعت السعيد، رئيس حزب التجمع والباحث المتخصص فى جماعات الإسلام السياسى، الذى يقول: «مرسى ينفذ سياسية عامة لجماعة الإخوان، وهى سياسية، طبقاً لأدبيات الجماعة وممارساتها، تعتقد أن حكم الجماعة وصوتها ورأيها هو صوت السماء، وأن من يخالفهم مخالف لتعاليم السماء»، مشيراً إلى أن كلامهم عن احترامهم للآخر «مجرد كلام للاستهلاك المحلى، غير نابع عن إيمان حقيقى».