ما يحدث فى مصر الآن ينذر بثورة جديدة عاصفة ستلتهم نيرانها آلاف الضحايا الجدد، وإذا كان البعض يتصور أن الأزمة الاقتصادية الطاحنة أو الاحتقان السياسى والطائفى أو السيطرة الإخوانية الفظة وغير الأخلاقية على كل مفاصل الإدارة ستكون سبباً رئيسياً لاندلاع هذه الثورة، فإننى أعتقد أن كل هذه الأسباب ستكون مجرد روافد صغيرة تصب فى نهر الإحساس بالغدر والخسة والتآمر الذى تعرض له الشعب المصرى كله على يد جماعة الإخوان المسلمين. والمؤكد أننا جميعاً نتذكر الآن أن ثورة 25 يناير 2011 اندلعت فى «يوم» كانت الشرطة المصرية تعتبره عيداً سنوياً لها، ورغم أن الثورة رفعت شعار: «عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية»، فإن عشرات الآلاف من المصريين انضموا لها بدافع الغضب العارم من أهوال التعذيب فى أقسام الشرطة وتدمير كرامة الآلاف على أيدى ضباط وأمناء لم تردعهم أخلاق ولم يتمكن الضحايا أبداً من استرداد حقوقهم المهدرة بواسطة النيابة العامة أو القضاء. وما يحدث الآن فى قضية الشاب «خليل العقيد» الحارس الشخصى لخيرت الشاطر، وأحد أفراد ميليشيات الإخوان المسلمين المسلحة، يؤكد أننا أمام إعادة إنتاج للحوادث الرهيبة الغامضة التى عصفت بالأبرياء وبفعل فاعل تمكنت أطراف لها مصلحة فى إفساد الأدلة وإرهاب الشهود وإعاقة التحقيق للتستر على أخطر أسرار الثورة المصرية التى شهدت طيلة عامين كاملين وقوع حوادث قتل وإصابة فى صفوف الثوار كانت تلصق دائماً بطرف خفى لم يتوصل إليه أحد أبداً. والمثير فى حكاية «خليل العقيد» الذى أنكرت جماعة الإخوان انتماءه لها فى البداية، أن مواطنين كثيرين شاركوا فى ثورة 25 يناير وفى أحداثها المتلاحقة تعرفوا عليه بعد نشر صوره فى كل الصحف والفضائيات المستقلة وهو مع الشاطر ومع مرسى فى ميدان التحرير وخلفه فى مسجد عمرو بن العاص، وتذكروا أن هذا الشخص تحديداً كان موجوداً قريباً من ميدان التحرير وأمام مبنى الجامعة الأمريكية وفى أحد مداخل محطة مترو السادات، وسارع ثلاثة مواطنين بتقديم ثلاثة بلاغات رسمية فى قسمى شرطة عابدين والعمرانية، اتهموا فيها «خليل العقيد» بأنه أحد الذين قاموا بقنص المتظاهرين وقتلهم فى أحداث محمد محمود ومجلس الوزراء، وقال أحدهم إنه شخصياً شارك فى مطاردته والإمساك به مع آخرين قاموا بتسليمه إلى الشرطة العسكرية آنذاك. الأمر الأخطر من ذلك أن هناك معلومات أخرى عن أن شقيق «خليل» ويدعى «أبوبكر العقيد» يعمل هو الآخر حارساً شخصياً مسلحاً لأحد قيادات جماعة الإخوان المسلمين، وهذا القيادى تحديداً سبق توجيه اتهام له بأنه كان يحرك أشخاصاً فوق العمارات المحيطة بالميدان أثناء الثورة وكانوا يطلقون الرصاص على المتظاهرين. والذى يعنينى هنا أن ألفت نظر كل المنظمات المدنية الحقوقية إلى أن البلاغات التى تم تقديمها ضد حارس الشاطر لم تصل إلى النيابة العامة حتى الآن وأن الذين قدموا هذه البلاغات يتعرضون لملاحقات غامضة وتتعرض أسرهم لإرهاب منظم، وإذا كانت وزارة العدل تسهر على إعداد تقرير «تقصى حقائق» يبرئ الإخوان من تهمة قتل المتظاهرين، فإننى واثق أن ملاحقة هذه القضية الخطيرة تمثل صندوقاً أسود يخفى حقائق مذهلة، وفتح هذا الصندوق بواسطة مفتاح خليل العقيد وشقيقه سيقودنا حتماً إلى الإمساك بالطرف الخفى الذى قتل المتظاهرين فى الميادين خلال الثورة وبعدها، وإلى أيضاًً مَن قتل ضحايا قصر الاتحادية. إننى شخصياً أشعر بالعار لأن كائناً من كان ما زال قادراً على إفساد أدلة قضية وإعاقة إحالة بلاغ إلى النيابة وملاحقة وإرهاب مقدمى البلاغات.. فى زمن كنا نظن فيه أننا تحررنا من هذه الفظاعات الخسيسة، ولهذا لن يهدأ لى بال حتى ننتبه إلى أن «الصندوق الأسود» الذى راح عمر سليمان ضحية التلويح به أصبح الآن بين أيدينا، وعلينا أن نبذل أقصى ما نستطيع لمعرفة كل ما يحويه من أسرار.