كنت أتمنى ألا يصدر الدكتور مرسى إعلانه الدستورى المعيب الذى أشعل النار فى جسد الوطن، وأوصل أبناءه إلى هذه الحالة من الاحتراب غير المسبوقة.. وكنت أتمنى أن يتأجل الاستفتاء على الدستور ريثما يتم التوافق الوطنى عليه، على الأقل المواد المختلف عليها والتى ربما لا تزيد على 20 مادة، كما وعد بذلك الدكتور مرسى.. لكن للأسف، لم يحدث، فزاد النار لهيبا.. إن نسبة المشاركين فى الجولة الأولى للاستفتاء لم تتجاوز 31٪ ممن لهم حق التصويت، وأعتقد أن النسبة فى الجولة الثانية ربما تتعدى هذا الرقم بقليل.. وبالتالى، فنحن أمام أكثر من ثلثى الشعب المصرى لم يذهب إلى صناديق الاستفتاء ولم يشارك فى الإدلاء بصوته فى إقرار الدستور الذى ستتوقف عليه الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية خلال العقود القادمة، وهذه خسارة كبرى.. فضلا عن أنها تنذر بعدم استقرار.. ولا شك أن الظروف التى سادت قبل الاستفتاء، من انقسام وتشرذم وعنف وصل إلى حد الدم، ناهيك عن دخول الرئاسة فى خصومة مع القوى السياسية والوطنية والهيئات القضائية المختلفة وإصرار الأغلبية منها على عدم الإشراف على الاستفتاء، كل ذلك كان له أثره المباشر على هذه النسبة المتدنية للمشاركين. إن من قالوا «نعم» حوالى عشرة ملايين ونصف المليون، بينما بلغ من قالوا «لا» أكثر من ستة ملايين.. ومعنى ذلك أن قطاعا مهما من المصريين غير موافقين على الدستور.. واعتقد أيضاً -إن لم أكن مبالغا- أن قطاعا كبيرا من الذين لم يشاركوا فى التصويت هم من غير الموافقين، أو على الأقل ليسوا على قناعة بما يجرى.. إن الذين قالوا «نعم» لا يمثلون سوى 20٪ ممن لهم حق التصويت.. وبمقارنة بسيطة بين الاستفتاء على التعديلات الدستورية فى 19 مارس 2011 والاستفتاء على الدستور فى 2012، يتبين لنا إلى أى مدى هبطت شعبية التيار الإسلامى.. فإذا أضفنا إلى ذلك أن جزءا ليس باليسير ممن صوت ب«نعم»، جاء تصويته طمعا ورغبة فى الاستقرار، أو بمعنى أدق زهقا ومللا وكسرا لتلك الحلقة المفرغة التى كان من الممكن أن يدور فيها دون نهاية، أقول إن هذا الجزء لا يمكن اعتباره بأى حال داخلا فى إطار شعبية التيار الإسلامى، وعلى الأخير أن يعى ذلك وأن يعيد حساباته جيدا. يخطئ من يتصور أن الأمور سوف تمضى بسلاسة وسهولة ويسر؛ فمازالت أسباب الاحتقان والتوتر، والاحتراب قائمة.. بل زاد عليها ما حدث أثناء الاستفتاء من تجاوزات وانتهاكات.. أعضاء النيابة العامة احتشدوا (الأحد) بدار القضاء العالى ثم عقدوا مؤتمرا بنادى القضاة للمطالبة برحيل النائب العام المستشار طلعت إبراهيم.. بعد انتهاء المؤتمر كان هناك هجوم واعتداء من مسلحين على القضاة وأعضاء النيابة أثناء الخروج من النادى.. والغريب أن الأمن المركزى الموجود على بعد خطوات من الحدث، رفض الاستجابة لاستغاثة القضاة (!!).. جبهة الإنقاذ الوطنى اجتمعت أيضاً فى اليوم نفسه وانتهت إلى رفض نتائج الاستفتاء والتأكيد على استمرار المقاومة السلمية والاستعداد للانتخابات البرلمانية القادمة.. أما ما يخص الشباب على أرض الميدان فهم الذين يحددون ردود أفعالهم فى المرحلة القادمة.. لكن من المؤكد أن موقف الرئيس مرسى وجماعة الإخوان، إيجابا أو سلبا، اقترابا أو بعدا من الجماعة الوطنية، سوف يلقى بظلاله على الوضع.. حفظ الله مصر وأهلها، ووقاهم من كل سوء.