في تحد صارخ لدولة القانون شهدت منطقة دهشور خلال الأيام الماضية تجاوزات عديدة من قبل الأهالي الذين وضعوا أيديهم بالقوة علي نحو ثلاثة أفدنة بمحيط وادي الملك بمنشية دهشور، التي يقطن بها أكثر من ثمانين ألف مواطن وتقع جنوب منطقة سقارة بالجيزة، حيث تبدأ من عند الصليبة وتنتهي بالطريق العمومي عند بركة الصيد، تلك المنطقة الأثرية التي تحتوي علي خمس أهرامات، ثلاثة لفراعنة الدولة الوسطي واثنتين للملك سنفرو، والد الملك خوفو ، بالقرب من هضبة امنمحات الثالث الشهير ب"الهرم الأسود". "منشية دهشور".. مثلها مثل باقي القري المصرية التي ينقصها العديد من الخدمات الأساسية للحياة، بداية من الصرف الصحي الذي يفتقد إليه الأهالي بشكل كبير، بعد أن تصدعت منازلهم وغرقت شوارعهم في مياة المجاري وطفحت من كثرة الإهمال والتجاهل والنسيان، فضلا عن تهالك الوحدة الصحية الوحيدة التي تخدم هذا الكم الهائل من السكان حتي الثانية ظهرا فقط دون مراعاة للحالات الطارئة التي يضطر الأهالي لقطع عشرات الكيلومترات للذهاب بمرضاهم إلي مستشفي دهشور العام، بالإضافة إلي أن من يموتون منهم لا يجدون لهم مكاناً ءادميا يدفنون فيه من ضيق المقابر القديمة بجثث ذويهم وهو ما دفع بعضهم للصراخ قائلا "لو أمي أو أبويا ماتوا أوديها فين، في الجبانة ولا أدفنها في الرشاح، عاوزين حتة أرض نداري فيها أهالينا، المقابر القديمة ما تستحملش جثث تانية ". الأمر الذي دفعهم للإنفجار في وجه المسئولين واصطناع قانون خاص بهم، أقل ما يوصف به "شريعة الغاب" حيث دولة الفوضي والبلطجة والعشوائية، فانقضوا علي الإمتداد الأثري لمعبد الوادي الشهير بقهوة فرعون وقام كل منهم بإنتزاع قيراط أو قيراطان وثلاثة والبناء عليهم أو ترسيم حدودهم استعدادا لبنائهم لاحقا أو الاتجار بهم "تسقيعهم"، رغم أنهم كثيرا ما بُحت اصواتهم لإدارة الأثار بالجيزة من أجل استخراج التصاريح الخاصة ببناء مقابر جديدة، بعد أن تهالكت الجبانات القديمة التي يصل عمرها لأكثر من مائة وخمسين عاما . اقتربنا أكثر من الأزمة لرصد تعديات الأهالي علي المكان الذي يعد بمثابة منجم أثار دهشور التي تشتمل علي ثلاث عزب رئيسيىة، "الدوار والسميني والجُعر"، وتخدم تلك المقابر ثلاث مناطق كبري، أولها عزبة المرازيق التي يصل تعداد سكانها نحو 60 ألف نسمة وأكثر من خمسين ألفا بعزبة أبو رجوان بالإضافة إلي مائة ألف من أهالي المنشية . وفي هذا الإطار التقينا علاء عبدالكريم مهدي، 33 عاما وأحد الأهالي الذين قاموا ببناء نحو قيراط علي المنطقة الاثرية بأكثر من خمسة عشرة مقبرة دون استخراج تصريح واحد لأي منهم، فهناك أكثر من خمسة أفراد يموتون من كل عائلة أسبوعياً ولا يجوز فتح مقبرة علي ميت إلا بعد ثلاثة شهور حسبما يقول. وأكد "مهدي" أن الأهالي حينما اتجهوا إلي مدير عام أثار الجيزة، كمال وحيد من أجل السير بشكل قانوني فقال لهم "حالة البلد في انحلال وما تسمحش ومفيش فرصة لاستخراج الاوراق في الوقت الحالي" وبالتالي أصبح البناء محظورا علينا، متسائلا: هل نلقي بجثث موتانا علي ظهر الأرض لدرجة أنهم كانوا يرفضون تجديد المقابر القديمة المتهالكة من أجل ترميمها أو إعادة بنائها مجددا . وكأن القيامة هاتقوم.. بتلك الجملة استنكر أحمد سعيد الشهير بأبي زياد، أحد الأهالي التصرفات التي قام بها أهل قريته الذين فاض بهم الكيل وطفح لدرجة أنهم صاروا اليوم تجار موتي علي حد وصفه. وعن المساحة العريضة التي أحاطوا بها المقبرة بسور كامل، أوضح جمعه محمود حسين، صاحب الحوش أنهم لا يخصصونها كشقة يسكنون بها بقدر ما هي مجرد استراحة للعزاء وتلك المساحة مخصصة لثلاث عائلات هم "العزوزية والمراشدة والشوبوأه" بمعني أنها تخدم أكثر من 15 ألف مواطن. واتهم أحد الأهالي "ع.م" خفير المنطقة ويدعي محمد طه الرفاعي بالإتجار في الاثار مقابل 500 جنيها يوميا عن كل فرقة أو مجموعة تنقب عن أثار في المنطقة وسط المحاجر بعيدا عن رقابة أو عين هيئة الأثار، موضحا أنه قد تعرض للنصب عليه من قبله حينما طلب منه 5000 جنيها لإستخراج تصريح له بالبناء علي الأرض الأثرية فما كان منه الا أن حرر بلاغات ضدهم مؤخرا لتأمين نفسه أولاً بإبعاد الشبهات عنه واتهام الأهالي بالتعدي علي منطقة أثرية رغم أن هناك كثير من المغالطات التي يرددها مفتشو الأثار الذين لا ينقلون الحقيقة، بل يتهمون المواطنين بالبلطجية المسلحين، فهرم سنفرو مثلا يبعد نحو 6 كيلو مترات عن جبانة المنشية علي حد قوله ومن ثم كيف يرددون أنهم تعدوا علي منطقة أثرية برغم أنها مسجلة في الأوراق بأنها "جبانة المسلمين" تلك المساحة المنزوعة من الأثار منذ عام 1956. وعن رفض هيئة الأثار بدهشور استخراج التصاريح بالبناء في المنطقة قال ابراهيم وهيبه، عضو مجلس محلي منشية دهشور أن ثمة اتجاه قوي لضم تلك المنطقة للمجلس المحلي من أجل تنظيم عملية التراخيص بعيدا عن رقابة الاثار . وفي المقابل كان أغلب سكان منشية دهشور يرفضون تجاوزات البعض ممن وصفوهم ب"البلطجية" ومهربي الاثار بفضل غياب المسئول والضمير الانساني والوازع الديني، فقال فضل أحمد "الحي أبقي من الميت"، واصفا حال القرية ب"الميتة" الخدمات حيث لا توجد محطة صرف صحي أو مستشفيات صحية أو مصانع لتوظيف شباب المنطقة الذين يعانون من ويلات البطالة ليل نهار، وهذا ما يدفع العديد منهم نحو التنقيب عن الأثار والإتجار بها مقابل أن يجد قوت يومه ويسد احتياجاته وأسرته التي لا عائل لها غيره. واتهم محمد طه الرفاعي، غفير المنطقة الأهالي ب"العشوائيين" وتجار الفوضي، حيث قاموا بوضع أيديهم علي أراض أثرية بمعبد الوادي ومارسوا تعدياتهم الصارخة علي المكان الأمر الذي دفعه لإبلاغ كافة الجهات الرسمية والدولية المختصة بشئون الأثار بذلك منذ نحو ثلاثة أسابيع لإتخاذ الاجراء القانوني اللازم ضدهم في ظل حالة "الهيجان" الشعبي الجارية رغم أنه كانت مخصصة لهم قطعة أرض لبناء مقابر عليها. كما قالت كبير مفتشي الاثار بدهشور وهيبة صالح في تصريحات خاصة إن الأهالي استولوا علي محيط وادي الملك بالكامل بقوة الذراع بعد أن تفاقمت الأوضاع بين الأهالي ومسئولي الاثار ووصولها إلي ذروتها . وهو ما قد يدفع الهيئة للإستعانة بقوات الأمن خلال ساعات لإزالة تلك التعديات من قبل الأهالي بعد تحرير الأثار للعديد من البلاغات القانونية ضد تلك التجاوزات من قبل البلطجية المسلحين، خاصة أن النيابة أصدرت مؤخرا قرارا بالإزالة والإخلاء الفوري للمنطقة الأثرية المحظور البناء عليها بمنشية دهشور.