كشفت 13 منظمة حقوقية أن مشروع قانون "حماية المجتمع من الخطرين" المقدم من وزارة الداخلية يؤكد على عدم وجود نية حقيقية لدى القائمين على إدارة البلاد بإحداث إصلاحات حقيقية على جهاز الشرطة، بل هي تهدف إلى إضفاء الشرعية على أدوات التسلط التي كانت تستخدمها قبل ثورة 25 يناير وبعدها، بحجج مختلفة منها التصدي لظاهرة ما يعرف بالبلطجة أو الانفلات الأمني، وهي الأفعال التي من الممكن مواجهتها بالتشريعات الحالية دون الحاجة إلى قوانين تهدر حقوق الانسان والمبادئ القانونية والدستورية المستقرة. وأشارت المنظمات في بيان لها اليوم أنه بعد محاولات عدة للإبقاء على حالة الطوارئ أو إعادة فرضها تحت مسميات أخرى، بدأت مؤخرًا -في محاولة لاستغلال الفراغ التشريعي وغياب البرلمان- تمرير حزمة من القوانين التسلطية التي تكفل لوزارة الداخلية صلاحيات واسعة غير منطقية لا يملكها رجال الشرطة في أكثر الدول قمعية. وقد اطلعت المنظمات الموقعة على مشروع قانون "حماية المجتمع من الخطرين" والمقدم من وزارة الداخلية، فبالإضافة إلى كونه قانون تعسفي يسعى إلى محاولة تقنين أدوات قمعية ومحاولة إدخال صلاحيات استثنائية للشرطة في التشريعات العادية -أي محاولة لخلق حالة طوارئ دائمة بدون الحاجة إلى إعلان حالة الطوارئ- فالمواد القانونية المضمونة في مشروع القانون تفتقر إلى الدقة في التعريف وتتميز بالركاكة في الصياغة ولن تستمر طويلاً -إذا مررت- قبل أن يتم الطعن في دستوريتها. وأضافت المنظمات ان القانون يجرم أفعالا غير معرفة قانونيا، فيجرم على سبيل المثال سلوكا يقوم به شخص ما "وضع به نفسه في حالة تنبئ عن خطورته على النظام العام"، وهو ما يتعارض مع مبادئ الدستور وما تنص عليه مواثيق حقوق الإنسان الدولية من أن العقوبة توقع على فعل مادي وليست على توافر سوابق إجرامية أو ارتياب في أشخاص، وهذا ما استقرت عليه المبادئ الدستورية والتشريعات الجنائية المصرية والدولية، بالإضافة إلى أنه لا يحتوي حتى على تعريف واضح للشخص المجرم، فينص مشروع القانون على معاقبة "معتادي الإجرام"، وهو ما يعرفه مشروع القانون ب "يقصد بمعتادي الإجرام وفقا لأحكام هذا القانون من اعتاد ارتكاب الجرائم"، وهو تعريف يفتقد الدقة بل أنه في حقيقة الأمر يفتقد إلى تعريف. واوضحت المنظمات أنه أما عن الصلاحيات التي يمنحها القانون للشرطة فهي صلاحيات استثنائية وتسلطية بامتياز، وطبقا لتعريف القانون نفسه فهي "تدابير وقائية" وهو مصطلح لا ينتمي إلا إلى القوانين الاستثنائية، وبالتالي فهو يضفي صفة الديمومة على تشريع في جوهره استثنائي، كما أن القانون المقترح لا يضع أي حد زمني لتنفيذ تلك الإجراءات، فالقانون ينص على الوضع تحت المراقبة أو حظر التواجد في مناطق معينة أو الإيداع في أحد مؤسسات العمل -وهو نوع من أنواع الاحتجاز- ولا يحدد حد زمني لهذه الإجراءات. وأعربت المنظمات أنه قد سبق للمحكمة الدستورية الحكم بعدم دستورية عدة قوانين تعطي الشرطة صلاحيات إضافية لاتخاذ تدابير وقائية في حالات الاشتباه، منها الحكم الصادر في الطعن رقم 3 لسنة 10 قضائية بجلسة 2 يناير عام 1993 بعدم دستورية المادتين الخامسة والسادسة من المرسوم بقانون رقم 98 لسنة 1945 بشأن المتشردين أو المشتبه فيهم، وهي نصوص مشابهة جدًا للنصوص المقترحة في المشروع المقدم من الداخلية، والتي كانت تقضي بمعاقبة المشتبه فيه بتحديد الإقامة أو الوضع تحت مراقبة الشرطة أو الإيداع في أحد مؤسسات العمل. كما أكدت المحكمة الدستورية آنذاك علي المبدأ العام القائل أن الأصل في الإنسان البراءة وأن هذا أصلا ثابتا. وقد بني حكم المحكمة على أن دواعي الاشتباه المعرفة في القانون المطعون فيه ليست مرتبطة بفعل ملموس ولا على واقعة مادية تمثل سلوكًا محددًا أتاه الجاني، وأن هذا الاتجاه التشريعي القائم على الافتراض المبني على التاريخ والتقارير الأمنية يناهض نصوص الدستور التي تجرم الأفعال فقط ،وبالتالي فالاشتهار بإتيان جريمة معينة أو الاشتباه بالنية في القيام بارتكاب جريمة لا يجوز التجريم على أساسه، وأخيرا فقد أقرت المحكمة أن هذا النوع من التجريم هو بمثابة معاقبة الشخص مرتين على فعل واحد، وهو مبدأ لا يجوز طبقًا للدستور والمواثيق الدولية، بل ولما تواترت عليه أحكام محكمة النقض المصرية حيث استقرت هذه الأحكام علي أنه من المقرر أنه لا يجوز محاكمة الشخص عن فعل واحد مرتين، ذلك أن الازدواج في المسئولية الجنائية عن الفعل الواحد أمر يحرمه القانون وتتأذى به العدالة، إذ من القواعد المقررة أنه لا يصح أن يعاقب جاني عن ذات الفعل مرتين، ومخالفة هذا المبدأ يقوض من دولة القانون التي من المفترض أن القائمين على حكم البلاد يسعون لإقامتها. واشارت المنظمات أن مشروع القانون المقدم من وزارة الداخلية بشأن حماية المجتمع من الخطرين، يهدف إلى منع أشكال التظاهر والإضراب والاعتصام السلميين وهو ما نصت عليه المادة الثانية بند (10) من اعتبار من السلوك الذي ينبئ عن وقوع جريمة "جرائم الاعتداء على حرية العمل" وهي الجرائم التي كانت قد وردت في المرسوم بقانون رقم 34 لسنة 2011 بشأن تجريم الاعتداء على حرية العمل (المعروف بقانون تجريم الإضرابات والاعتصامات) الذي تم سنه بهدف السيطرة على الأشكال المختلفة للاحتجاج ومنها الإضراب أو الاعتصام أو التظاهر وفرض عليها عقوبات بالسجن وغرامات مالية باهظة. ويأتي مع قانون حماية المجتمع من الخطرين حزمة أخرى من مشروعات القوانين منها مشروع قانون بشأن تنظيم المظاهرات وتعديلات في بعض أحكام قانون العقوبات وقانون الحفاظ على حرمة أماكن العبادة وقانون تجريم الاعتداء على حرية العمل تحتوي كلها على تعديلات مجحفة تغلظ من العقوبات في حالة القوانين الموجودة والتي أدخل عليها تعديلات. ففي حالة قانون تنظيم المظاهرات المستحدث تم خلق تدابير أمنية شديدة التعسف تتنافى مع حرية الرأي والتعبير والتظاهر وتقترب من تجريم التظاهر. ويدفعنا هذا للتساؤل عن الأسباب التي تدفع وزير الداخلية لإعطاء نفسه صلاحيات موسعة مبنية على قوانين غامضة هي مرتبطة تاريخيًا -كما قالت المحكمة الدستورية في الحكم المشار إليه أعلاه- بإساءة استخدام السلطة؟ وما هي الأسباب التي دفعته لمحاولة استعادة أدوات السلطة في فترة حكم النظام السابق والتي حكمت الدستورية العليا ببطلانها حتى قبل سقوط النظام؟ لعل هذا السؤال يعكس لنا زيف إدعاءات إصلاح وزارة الداخلية أو ان ثمة تغيير ما في عقيدتها قد حدث بعد الثورة، حيث تثبت تلك المشروعات بقوانين أن جهاز الشرطة في مصر مازال يأبى أن يعمل في إطار دولة القانون وبدون صلاحيات استثنائية كما هو الحال في كل الدول الديمقراطية والعديد من الدول غير الديمقراطية كذلك. وحذرت المنظمات الموقعة من خطورة التسرع في إصدار تشريعات جديدة فى ظل جمع السيد الرئيس للسلطتين التنفيذية والتشريعية مما يقتضى عدم التوسع وبلا ضرورة في استسهال إصدار تشريعات مقيدة ونحن على أبواب إقرار دستور جديد وانتخاب برلمان جديد حتى لا يؤثر هذا على مضمون الدستور عن طريق دسترة القيود التى تبنتها هذه التشريعات المزمع إصدارها.