فى 30 أغسطس 2006 ودعت مصر عميد الرواية العربية نجيب محفوظ بعد رحلة إبداعية إستمرت لأكثر من سبعين عاماً، فنجيب محفوظ المولود فى حى الجمالية بالقاهرة فى 11 ديسمبر 1911، يعد المؤسس الحقيقى لرواية العربية الجديدة، فقد طور فى أسلوبها، وفى طريقة تناول الأحداث مقدماً وصفة جديدة للكتابة الواقعة، بعد أن غاصت الرواية لسنوات طويلة فى الأحداث التاريخية الماضوية منفصلة عما يحدث فى الواقع. وقد جرب محفوظ هذه الكتابة التاريخية فى بداية حياته الإبداعية من خلال رواياته الأولى "كفاح طيبة" و"رادوبيس"، إلا أنه حقق نقلة نوعية على مستوى السرد وعلى مستوى الرؤية فى منتصف الأربعينيات من القرن الماضى بعد إصداره لروايته الشهيرة "القاهرةالجديدة". وقد تأثر محفوظ بعدة مؤثرات هامة فى حياته أولاً: أنه سمى باسم الطبيب الذى قام بتنفيذ عملية ولادته وهو الدكتور "نجيب محفوظ" وكان رجلاً عالماً ومثقفاً نوعياً له عدد من المؤلفات. وقد أراد الحاج عبدالعزيز ولد نجيب أن يسمى أبنه على اسم هذا العالم متمنياً أن ينال نفس مكانته العلمية والثقافية. وكأن أبواب كانت مفتوحة - ساعتها -، فقدر لهذا الطفل أن يحصل على حب الملايين على إتساع رقعة العالم محققاً شهرة لم ينالها أديب مصرى سابق أن لاحق عليه حتى الآن. وربما اختيار هذا الاسم المركب له جعله يجتهد فى دراسته فنجح فى التعليم الأساسى ثم التحق بكلية الآداب جامعة فؤاد الأول (القاهرة حالياً) واختار قسم الفلسفة ليتخرج منها فى منتصف الثلاثينيات من القرن الماضى. ولعل دراسة "نجيب محفوظ" للفلسفة هو ما منحة قدراً كبيراً من التأمل والرؤية النافذه للاشياء، وربما هى ما جعلة يدقق فى التفاصيل التى ينقلها فى ثنايا رواياته. والملاحظ كذلك أن مصائر أبطال أعماله السردية تتقاطع فى رؤية فلسفية وجودية، تدوربين ثنائية الموت والحياة، وتجد ذلك واضحاً فى عمله البديع "حديث الصباح والسماء"، وبصورة أكبر فى "ثلاثيته الشهيرة" "خان الخليلى" و"قصر الشوق" و"السكرية". النقطة الثانية والهامة فى تجربة "محفوظ: هى اختياره للمكان ليكون البطل الرئيسى فى رواياته، وهو لم يكن يكتب عن مكان هلامى وإنما أختار مكاناً عاش فيه وعايش من خلاله أحداثاً ووقائع رأى فيها ما يستحق أن يروى، فصنع تاريخاً للمكان والزمان وللإنسان. وظل "محفوظ" وفياً للحارة المصرية فى أغلب أعمالة. وقد إنقطع محفوظ عن الكتابة بعد ثورة يوليو 1952 ولمدة خمس سنوات ليعود عام 1957 ليكتب رواياته الأشهر "أولاد حارتنا" والتى بدأ نشرها مسلسلاً فى جريدة الأهرام. إلا أنه تمت مصادرتها بعد تقرير صدر من الأزهر ولم تنشر فى كتاب - فى مصر- إلا قبل وفاة "محفوظ" بأشهر قليلة بمقدمة للدكتور أحمد كمال أبو المجد، وإن نشرت فى طباعات مختلفة فى بيروت فى سنوات سابقة. وقد تعرض "محفوظ" عام 1995 للقتل على يد أحد المنتمين للتيار الجهادى والذى طعنه بسكين ف رقبته وقت نزولة من بيته ليلتقى اصدقائة وكاد "محفوظ" يفقد من هذه الطعنه حياته. لم تكن حياة محفوظ سهله المنال لكنه كان عنواناً للكفاح والمثابرة، والعمل الجاد، لذلك حقق مالم يحققه أى أديب مصرى أو عربى، وهو حصولة على جائزة نوبل فى الآدب عام 1988.