بين مطرقة الإهمال الحكومي وسندان غياب الإستراتيجيات المستقبلية للتعامل مع الأزمات وقعت ثروتنا الحيوانية ضحية ، فيما لاتزال تُدار البلاد بعقلية المخلوع وهو ما ظهر قبل نحو شهرين أثناء ظهور الحمى القلاعية ونفوق ما يقرب من خمسة آلاف رأس حيوانية في أقل من أسبوعين واصابة نحو ثلاثين ألفاً، الأمر الذي يجعلنا ندق ناقوس الخطر ونسأل : هل يأتي اليوم التي تصل فيه الثروة الحيوانية في مصر لنقطة الصفر.. من المتسبب في ذلك .. ولماذا يحدث.. وكيفية المواجهة في حالة عودة وباء الحمى القلاعية مرة أخرى . الدكتور رأفت عبد الرحمن- أستاذ الطب البيطري بجامعة حلوان- فى رأيه أن سلسلة الأمراض التي أصابت الثروة الحيوانية في مصر لا تصل إلي مرحلة الانهيار أو القضاء علي ثروتنا الحيوانية طالما احتفظنا بمجموعة من الإجراءات التأمينية التي تبدأ بالملاحظة الدورية والمتابعة البيطرية والوقاية من الأوبئة وتوفير الأمصال والتحصينات الكافية، موضحاً أن نسبة الإصابة لم تتعد الواحد في المائة من اجمالي الحالات وخاصة أن الأمصال المناعية ترسخت في أجساد الحيوانات بصورة تحول دون وصولنا لحالة الهلع والفزع التي يصورها البعض، فالوضع البيطري يصبح تحت السيطرة إذا ما طبقنا مجموعة من المعايير البيطرية المتداولة عالمياً في علم الأوبئة ولكن هذا لا ينكر خطورة ما حدث بحال من الأحوال، فالحمي القلاعية وغيرها من الأوبئة التي تصيب الحيوانات تدق جرس الإنذار وناقوس الخطر الذي يهدد الثروة الحيوانية مستقبلاً . وقالت الدكتوره سلوي بيومي وكيل لجنة الزراعة الأسبق بمجلس الشوري أن الأوضاع متردية بالفعل خاصة بعد أن استوطن المرض في مصر، نتيجة غياب الفكر المستقبلي لدي مسئولي الزراعة والطب البيطري بصفة خاصة وانتهاج سياسة الحلول اللحظية السريعة دون وضع التصورات أو الدراسات العلمية السليمة لمنع عودتها من جديد، فضلاً عن عدم توفير الأمصال الوقائية الكافية لترقب ما سيحدث في الشتاء القادم، أو عند ظهور أو وباء جديد بما يمكننا من تقليل الخسائر بصورة كبيرة، اضافة إلي غياب التوعية الخاصة بالفلاحين من خلال سياسة الإرشاد الحيواني التي كانت متبعة منذ عهدي عبد الناصر والسادات وانقطعت تماماً في عصر المخلوع وحتي الآن بفضل الإدارات العقيمة التي كانت ومازالت تحكمنا خلال العقود الثلاثة الماضية الأمر الذي بات يهدد بإنقراض ثروتنا الحيوانية بما يجعلنا نستورد كل قطعة لحمة نتناولها . وتضيف بيومي أن غالبية الأمراض التي أصابت الثروة الحيوانية خلال السنوات الماضية لم تكن خاصة ببلادنا دون غيرها أو سلالة متحورة نادرة، إنما تلك الأوبئة منتشرة في معظم دول العالم بما يجعلنا قادرين علي توفير الأمصال اللازمة بصورة سلسة وطبيعية ولكننا نستورد كافة احتياجاتنا الحيوانية من الخارج بداية من الأعلاف ومروراً بالأمصال ووصولاً إلي اللحوم المجمدة، نتيجة غياب ثقافة القطيع والثروة الحيوانية المجمعة التي كانت سائدة قديماً والتي تمكننا من تسجيل كمية الالبان واللحوم التي تنتجها تلك الحيوانات المجمعة بصورة دورية من خلال حظر ذبح الجمال لأن في ذلك إهدار للثروة الحيوانية في مصر ومن ثم فحينما تكون الملكية الفردية مبعثرة فلا نلوم الفلاح علي التقصير في حق الحيوانات نتيجة ضبابية القرارات السياسية المتبعة، لغياب الإستراتيجية المحددة ذات الخطوط العريضة التي تحكم ذلك وكل هذا لا يمت للسياسة بصلة فالثروة الحيوانية والثروة الزراعية لا يجب أن يخضعان للرؤي والأهواء السياسية فحسب نتيجة حالة التضارب الغريبة في القرارات، فضلاً عن عدم وضوحها وإلا فما مدي العلاقة بين وضع استراتيجية متكاملة غير مسيسة للحفاظ علي الثروة الحيوانية وارتباط ذلك بأهواء الوزراء أو النظام علي حد سواء. وطالب الدكتور إمام الجمسي أستاذ الإقتصاد الزراعي بمركز البحوث الزراعية بسرعة انقاذ الثروة الحيوانية قبل أن تنهار وندخل إلي عصر الجياع وخاصة أننا نفتقد للكشوفات الدورية التي تجري علي الحيوان بشكل عام واختيار القيادات الصحيحة التي تمتلك مقومات التفكير والإبداع والتطويروتوفير المعلومات الكافية والإحصاءات الضرورية التي تتنبأ بما يحدث خلال الخطة الخمسية وهو ما يطلقون عليه بالبيانات الدورية لمعرفة احتمالات ظهور الأمراض حيث ينفقون علي تلك الإحتمالات في كافة دول العالم المتقدمة المبالغ الباهظة ولكننا في مصر يضيف إمام ، لم نتغير بعد رغم الثورة التي لم تقتلع الفرعون من جذوره واكتفت بقطع أنفه فحسب، وتابع : أن مسئولينا لايعتقدون بمثل هذه النظريات الإحتمالية ومن ثم فإن الثروة الحيوانية في خطر شديد طالما أننا نسير في نظام بلا نظام لإدارة المشروعات الحيوية كالموارد والثروات الحيوانية الهائلة التي نمتلكها في ظل غياب دولة المؤسسات التي تدير البلاد بسياسة رد الفعل . ويضيف الجمسي أنه كثيراً ما يحدث في بلادنا سعي النظام الحاكم لتقوية واستعراض عضلاته علي حساب المواطنين في حين أن العكس هو ما يحدث في معظم الدول المتقدمة ولكن يحدث حصرياً في مصر اختيار وزير زراعة سابق (أمين أباظة) لا علاقة له بالزراعة من قريب أو بعيد ورغم ذلك جئ به بفضل ذاك النظام القديم الذي كان سائداً (فرعنة مصر) وما يزال مسلسل طرد الكفاءات المصرية الأصيلة مستمراً لصالح رجال النظام الحاكم وأهل ثقته رغم أنهم لا حول لهم ولا قوة في تلك المجالات بعد افسادهم للحياة العامة في مصر ويذكر الجمسي أنه خلال لقاءه وأحد الخبراء الأمريكان عام 74 سأله عن كيفية احداث طفرة عالمية؟ فرد قائلاً "المشكلة لديكم أن المسئولين الذين في أيديهم السلطة لا يفهمون في حين أن من يفهمون لا يملكون السلطة" ، وتمنى الجمسي أن يختار رئيس الوزراء الجديد هشام قنديل وزير زراعة يهتم بالثرو الحيوانية.