"المسحراتى" أحد أهم المظاهر الرئيسية فى شهر رمضان المبارك، وقد إختلف أسلوب التسحير لإيقاظ النائمين من عصر إلى عصر آخر، ففى عهد النبوة كان "بلال بن رباح" يتولى مهمة تسحير أهل المدينة، وفى العصر الأموى والعباسى كان الوالى يكلف رجالاً يدعون الناس للسحور سيراً على الأقدام من مدينة "العسكر" حتى جامع "عمرو بن العاص". أما فى العصر الفاطمى فكان يؤذن للسحور من منابر المساجد، وفى العصر المملوكى ظهر "أبن نقطة" المسحراتى الخاص بالسلطان "الناصر محمد بن قلاوون". وكان "أبن نقطة" شيخ طائفة المسحراتيه فى عصره، بالإضافة إلى أنه مؤسس لحن "القومة" وهو أحد نماذج الشعر الشعبى الذى لم يعد موجوداً إلا نادراً، وما حفظة لنا التاريخ من هذا الفن من نماذج تدور فى فلك التسابيح والإبتهالات. وكان دور "المسحراتى" فى البداية يعتمد على إيقاظ الناس من خلال المناداة عليهم ببعض الأشعار الدينية دون الإشارة إلى أى مضمون إجتماعى أو ثقافى هادف. وقد تطور "فن التسحير" عبر العصور فأصبح "المسحراتيه" يتقنون إنشاء قصص المعجزات، وقد لا يملك "المسحراتى" عذوبة الصوت إلا أنه كان يتمتع بشخصية فريدة، وصوته يزفر بالشجن من خلال ما ينظمة من ألفاظ ومعان تتسم بالعفوية والتلقائية تفيض بالبهجة، ونابة من الوجدان الشعب، ومنها على سبيل المثال: ياسى عبدالرحمن بك يا بنى الكرم والجود ياللى يمر عليك رمضان بالفرح ويعود وريحتك الحلوة فايحة زى الورد والعود وكان "المسحراتى" يمر فى الأسبوع الأخير من شهر شعبان على بيوت الحى فيسجل أسماء المواليد الجدد حتى إذا مر على البيوت ينادى عليهم باسمائهم. وقد حفظ لنا التاريخ هذه الاهزوجة من العصر العثمانى: عبلة ياست العرايس ما نساش اسمها ياللى المشجر والحرير لبسها على جبل عرفات يجمع الله شملها فى جاه نبى مرسل عليه السلام أحياكم المولى إلى كل عام وكل عام وأنتم جميعاً طيبون وكان الأطفال "الأولاد والبنات" ينزلون مسرعين إلى الشارع فيمنحون "المسحراتى" نظير هذه "التحايا" من الملبس والمكسرات، وأحياناً النقود، ومن الأشياء التى كان يرددها المسحراتية فى هذا العصر: فؤاد أفندى .. الله يزيدكم كرم تشاهد الكعبة وباب الحرم وينصرك ربى على من ظلم وكان المسحراتى يدق على الطلبة أربع دقات، وقد يحمل فى يده عصا يدق بها على أبواب البيت، مردداًُ بعض الإسكتشات التى تردد فى الأفراح، مما يدل على وعى القائم على هذا العمل بآليات عمل الفن الشعبى. وإذا رزق أحد أبناء الحى بمولود جديد فى شهر رمضان دعا "المسحراتى" ومن وراء أطفال الحارة ورددو المولود الجديد: يا أولاد حارتنا تعالو هنا جارتنا إياحة.. مولود وحيلة .. إياحه وأمه جميلة.. إياحه أما فى العصر الحديث فقد تطور دور المسحراتى - بشكل كبير – وأشهر مشحراتى فى السنوات الخمسين الماضية كان الشيخ الموسيقار الراحل "سيد مكاوى" الذى تغنى بأشعار العبقرى "فؤاد حداد" فكان صوت المجتمع، الذى عبر عن البيئة الشعبية وهمومها عبر أشعار تفيض بالعذوبة والرقة، فعرف الشارع فى الريف والمدن هذا الصوت الذى سكن فى وجدان الوطن، ومن أشهر هذه الأشعار: أصحى يا نايم وقول نويت الشهر صايم وحد الدايم بكره إن جييت والفجر قايم أصحى يا نايم وحد الرزاق رمضان كريم كذلك تعاون سيد مكاوى فى تقديم برنامج "المسحراتى فى التليفزيون المصرى مع الشاعر الراجل فؤاد قاعود، والذى أكمل معه ما بدأه مع الشاعر الكبير فؤاد حداد، وكانت أشعار "قاعود" التى أداها "مكاوى" ذات طابع إجتماعى تتميز بالنقد اللاذع لكل أحوال المجتمع وتهدف إلى إصلاح ما أعوج منها من خلال التأكيد على القيم الأخلاقية والروحية، ومنها: شهر الصيام هل هلالك.. جاى بحالك يا مرحبا والفاتحة لك.. يا شهر النور كليت تف هم دى الأقوام .. أدب الإسلام مش بس كل الأمر صيام .. وفطور وسحور الصوم عن الزاد مش كافى .. ولا هوش وافى لازم يصير قلبك صافى .. زى البنور لاتلوم غريمك ولا تغتاب .. من غير أسباب ولا هزارك يبقى سباب .. وكلام مخطور وتقول ف نص التسبيحة .. بكتة فبيحة أو تحكى عن شخص فضيحة .. منحولة وزور ولا ترمى فى صالون الحلاق .. ميت ألف طلاق فى حاجات ماهش محتاجة خناق .. يفهمها التور وتدارس على خرمة جارك .. يعلا وقارك تصبح مبجل ومبارك .. وتعيش فى حبور وبلاش تكون صايم قرفان .. شكلك زعلان وبعدما تملا المصران .. تصبح مسرور