د.محمد حسن عبد الحافظ: فن أداء السيرة فنا رمضانيا. عادل العجيمي: ابن بطوطة وصف تفاصيل الاحتفال بالشهر الكريم. أحمد زرزور: تراثنا الأدبي غني بذكر المناسبات الدينية الآن انقطاع ذلك المد الإبداعي!! لقد حفل الأدب العربي منذ صدر الإسلام بكثير من صور التعبير عن الحب والتقدير لشهر رمضان الكريم, وفي التاريخ الإسلامي القديم والحديث تغنى الكثير من الشعراء بفرحة شهر رمضان ومنهم البحتري الذي قال في مديح الخليفة المعتصم: بالبر صمت وأنت أفضل صائم == وبسنة الله الرضية تفطر أما أمير الشعراء أحمد شوقي فقد قال في الصيام في كتابه "أسواق الذهب": "الصوم حرمان مشروع وتأديب بالجوع وخشوع لله وخضوع, لكل فريضة حكمة وهذا الحكم ظاهره العذاب وباطنه الرحمة يستثير الشفقة ويحض على الصدقة, يكسر الكبر ويعلم الصبر ويسن خلاله البر, حتى إذا جاع من ألف الشبع وحرم المترف أسباب المنع, عرف الحرمان كيف يقع وكيف ألمه إذا لذع". ويقول محمود حسن إسماعيل مرحبا بشهر الصيام: أضيف أنت حل على الأنام == وأقسم أن يحيا بالصيام قطعت الدهر جوابا وفيا == يعود مزاره في كل عام تخيم لا يحد حماك ركن فكل ==الأرض مهد للخيام نسخت شعائر الضيفان لما == قنعت من الضيافة بالمقام ورحت تسد للأجواد شرعا == من الإحسان علوي النظام بأن الجود حرمان وزهد == أعز من الشراب أو الطعام أما الشاعرة علية الجعار فكانت من أكثر الشاعرات احتفاء بشهر رمضان, ففي ديوانها (ابنة الإسلام) نجد مقطوعة شعرية بعنوان "رمضان" جاء فيها: وإن هل بالنور شهر الصيام == يجود به الله في كل عام وصمنا له طاعة في النهار == وقمنا له خشّعا في الظلام عن ذكر رمضان في الأدب العربي كان هذا التحقيق...... في البداية يقول الدكتور محمد حسن عبد الحافظ أستاذ الأدب الشعبي بأكاديمية الفنون: اتفق شعراء السيرة على الاستهلال الديني لأشعارهم، حيث مديح الرسول والصلاة عليه. وهو تمهيد يشي بوقار السيرة الهلالية لدى المؤدي والمتلقي على السواء. ثم يعقب ذلك ما يسمى بالتخميرة التي تحتوي على نصوص موال أو مربعات شعرية ذات رسالة أخلاقية او إنسانية. ثم يدخل في رواية جزء من السيرة او قصة من قصصها أو رحلة من رحلاتها. هذه البنية تجعل من فن أداء السيرة فنا رمضانيا، ومنها على سبيل المثال: مدَّاح الحبيب النبي اللي صديقه هام بكتاب سلاطين وملوك فرحو بيه فرحو بيه وكتابه قالو يا بني قريش هذا الحق وكتابه ... الأول مدحت النبي اللي صديقه هام بكتابه سلاطين وملوك فرحو بيه فرحو بيه وكتابه قالو يا بني قريش هذا الحق وكتابه وكتير من الناس لما شاف النبي وحَّد كتير من الناس لما شاف النبي وحَّد لانه الصراط أرق من الشعور وأحد أرق من الشعور واحد بكره تقوم القيامة بكره تقوم القيامة وفيها يحكم ال.. الواحد وكل واحد يكون ملزوم بكتابه أما القاص عادل العجيمي فيقول: إن أدبنا العربي لم يترك شيئًا إلا تناوله، خاصة في ظل ثقافة كان الشعر فيها ديوانا وكتابا للتاريخ والعادات المجتمعية وكان لشهر رمضان حظ من الشعر ما بين ترحيب بمقدمه وتوديع له، ورصد لأحداثه ومظاهر الاحتفاء به وقد جرت عادة الشعراء أن يرحبوا بأول أيام رمضان منذ رؤية هلاله ويتفننوا في وصفه ويعتبروه علامة خير وبشارة يمن وبركة، فالشاعر ابن حمديس الصقلي يقول في ذلك: قلت والناس يرقبون هلالا ** يشبه الصب من نحافة جسمه من يكن صائما فذا رمضان ** خط بالنور للورى أول اسمه ولرمضان مظاهر متعددة لاستقباله دونها الكتاب والمؤرخين فنجد مثلا ابن بطوطة وهو يصف الاحتفال برمضان في مكةالمكرمة فقال: وإذا هلَّ هلال رمضان تُضرب الطبول عند أمير مكة، ويقع الاحتفال بالمسجد الحرام من تجديد الحصر وتكثير الشمع والمشاعل، حتى يتلألأ الحرم نوراً، ولا تبقى في الحرم زاوية ولا ناحية إلا وفيها قارئ يصلي بجماعته، فيرتجُّ المسجد لأصوات القراء، وترق النفوس، وتحضر القلوب، وتهمل العيون. ويرسم عميد الأدب العربي طه حسين صورة أدبية للحظات الإفطار فيقول: "فإذا دنا الغروب وخفقت القلوب وأصغت الأذان لاستماع الآذان وطاشت نكهة الطعام بالعقول والأحلام، فترى أشداقا تنقلب وأحداقا تتقلب بين أطباق مصفوفة وأكواب مرصوفة،تملك على الرجل قلبه وتسحر لبه بما ملئت من فاكهة وأترعت من شراب، الآن يشق السمع دوي المدفع، فتنظر إلى الظماء وقد وردوا الماء،وإلى الجياع طافوا بالقصاع، تجد أفواها تلتقم وحلوقا تلتهم وألوانا تبيد وبطونا تستزيد ولا تزال الصحائف ترفع وتوضع.." وقد رسم لنا معروف الرصافي صورة كاريكاتورية بديعة لمن يغيرون من قيمة الصوم ويعتبرون الشهر شهرا للأكل والطعام فيقول وهو يصف بعض الصائمين الذين يتهافتون على الطعام غير مبالين بالعواقب: وأغبى العالمين فتى أكول ** لفطنته ببطنته انهزام ولو أني استطعت صيام دهري ** لصمت فكان ديدني الصيام ولكن لا أصوم صيام قوم ** تكاثر في فطورهم الطعام فإن وضح النهار طووا جياعا ** وقد هموا إذا اختلط الظلام وقالوا يا نهار لئن جعنا ** فإن الليل منك لنا انتقام أما الشاعر الكبيرأحمد زرزور، فقد تناول الموضوع من وجهة مختلفة حيث تحدث عن غياب الأعمال الإبداعية الرمضانية المعاصرة، فقال: احتفل الادب العربى شعرا ونثرا بشهر رمضان المبارك، نعم كان ذلك فيما مضى من أزمان جميلة مختلفة عن زماننا الآن، حتى الاغنيات الرمضانية التى لاتزال عالقة فى وجداننا كانت نتاج تلك الفترة. فما السبب فى انقطاع ذلك المد الإبداعي، والذي لم يعد حتى هذه اللحظة؟ أهو نتاج انقطاع مماثل للفرح العام الذي عاشته مصر تحديدا، فى مرحلة نموها السياسي والاجتماعي والاقتصادي فى الفترة الممتدة من خمسينات القرن إلى منتصف سبعيناته، وهى المرحلة الثورية ليوليو 1952 والتى حدثت فيها الطفرة الشاملة للنهضة المصرية على كافة الاصعدة والمجالات: أدبيا، فنيا، ثقافيا، اقتصاديا واجتماعيا. أم هل المسألة تتعلق بندرة المواهب الكبيرة الان، المواهب القادرة على استلهام معانى ودلالات هذا الشهر الكريم الذى يبعث على البهجة والسلام والسكينة فى وقت واحد؟ أم أن الضغوط الاقتصادية والارتباكات السياسية التى مرت ولاتزال تمر بها مصر، ابتداء من منتصف السبعينات، والتى شهدت انقلابا مروعا فى منظومة القيم الاجتماعية والروحية والسياسية، نتيجة لسياسة الانفتاح، فتراجعت منظومة كاملة من الابداع الادبى والفنى الذى يتكىء على ثوابتنا القيمية والروحية، ومن بينها الاحتفاء بمناسباتنا الدينية الكبرى؟ مما ادى الى غياب الابداع الذى كان متألقا فيما مضى. وفي النهاية أتمنى إعادة النظر فى التعامل الإبداعي مع تراث امتنا وشعبنا، واستلهامه من جديد وفق رؤية معاصرة تؤصل لمكانتنا الحضارية ولقيمنا الروحية، فى إطار بناء وجدان قومي جديد أكثر اعتزازا بتراثه وعقائده الدينية السمحاء، والمشاركة فى تأسيس حداثة وطنية تستند إلى خصوصيتنا الفكرية والروحية، وقتها سنعثر على أكثر من فؤاد حداد جديد وسيد مكاوي جديد وطاهر أبو فاشا جديد والف ليلة وليلة معاصرة وجديدة..