منذ ميلادها فى 20 فبرايرعام 1933 ، لم تنعم فتحية العسال بطفولة هادئة مستكينة مثل باقي الإطفال وكأن الزمن يمنحها اختبار مشروع كاتبة ستدافع لاحقاً عن حقوق المراة وقضاياها، وكان اول اختبار لها هو ختان اسرتها لها، والثانى حرمان أسرتها من التعليم فى المرحلة الإبتدائية ، ووضعها تحت رقابة شديدة من قبل أخيها حسنى الذى قام بقص خصلة من شعرها ذات يوماُ عقاباً لها على الوقوف امام النافذة، وقبضت يده عندما شاهدها تسير فى احدى المظاهرات المناهضة للإستعمار الإنجليزى، فانطلق قلمها يكتب القصص التى بدأ تستخلص من اختبارات الزمن التى بدأت تفهم لماذا لم يمنحها الزمن طفولة هادئة وعلمت ان اختيار الزمن لها فى صفوف المدافعات عن قضايا المرأة بدأ منذ نعومة اظافرها وساعدها والدها فى ان تكتب وان تدافع وان يتشكل لديها رؤية نقدية لا تتوافر الا لدى مشروع كاتب مستقبلاً. فى العشرينيات من عمرها وبالتحديد عام 1953 اعتقل زوجها عبد الله الطوخي بوصفه منتميا مناضلا بالاحرى الى الحزب الشيوعي، وكان ذلك هو الاختبار الثانى فى مسيرة مستقبل من ستكون رئيس جمعية الكاتبات المصريات ، فبدأت فى الانخراط في النضال الجماهيري، إذ اصبحت مسؤولة عن لجنة العائلات التي تتابع اخبار ذويها المعتقلين، وهي لجنة مكونة في اغلبها من امهات المعتقلين، كما انها اصبحت ايضا حلقة الوصل بين السجن والخارج (لم تعرف هذا الا بعد مرور وقت)، ومن ثم انخرطت في الحياة الحزبية السرية حيث كان زكي مراد هو مسؤولها الحزبي وبعد اعتقاله حل صلاح حافظ محله، وساهمت سعاد زهير في عملية تثقيفها سياسيا. وشاركت في المظاهرات التي تنادي بالغاء الاحكام العرفية، وتوجهت الى محمد نجيب (الرئيس آنذاك) لتطالب بتعميم المعاملة (أ) على المعتقلين وفي النهاية ألقي بها في تخشيبة قسم المطرية أربعة عشر يوما بمفردها مع طفلها الرضيع ايهاب. لا يفوت العسال في استرجاعها للاحداث ان توجه نقدا ذاتيا للحركة السياسية الشيوعية آنذاك، وهو نقد لا يمس الرؤية السياسية بقدر ما هو موجه للرؤية الانسانية والسلوك المصاحب لها: «في الايام دي كانت حاجة بتأذي مشاعري.. حملة الاعتقالات كانت فيها أحزاب ومنظمات متعددة. وكل حزب وكل تنظيم له توجهه السياسي الفكري. وطبعا كانت بتحصل بينهم بعض المشاكل جوا السجن، لكن الصعب والأصعب جدا ان المشاكل دي تنعكس على العائلات بره». ايضا، لا يفوت العسال ان تتحدث عن موقف الرجل التقدمي من المرأة وهو ما يؤكد خصوصية تجربة المناضلة إذ كانت تعتقد أنهم ملائكة، ثم اكتشفت انهم «بيتكلموا في السياسة حلو قوي ويتكلموا في الثقافة أحلى وأحلى، لكن للأسف جواهم معفنين تجاه المرأة بالتحديد» وهو ما اشارت إليه فى سيرتها الذاتية "حضن العمر" . " كنت اظن بل كنت اعلن ان سبب الطلاق هو خلافنا على معاهدة كامب ديفيد. لكن عندما تأملت التجربة وغصت في اعماقها وجدت انني كنت ارفض سيطرة عبد الله علي كامرأة «ليس كانسانة». خرجت من عباءة وصايته علي وامتلاكه لي بطلب الطلاق. بعد خروجه من السجن وبعد مرور عدة سنوات على انخراطي في العمل النضالي كان يسألني «فين فتحية بتاعة زمان؟»، لم يعترف انني مستقلة. كيف يمكنني أن أمارس الحرية مع رجل غير متحرر من شبح الملكية والموروث. في كتابتي، أو بمعنى أدق، محاولتي لفهم سبب الطلاق، كنت ايضا اكتب عن تجربتي في الحياة النضالية، فأنا لا أرى انفصالاً بين الخاص والعام السياسي" هذا ما كتبته فتحية العسال عن أسباب طلاقها من الكاتب عبد الله الطوخى فى مذكراتها ، من ابنائها من الكاتب عبد الله الطوخى الفنانة صفاء الطوخى، بإختصار هذا ما كتبته فتحية العسال عن سبب طلاقها من الكاتب عبدالله الطوخى فى سيرتها الذاتية . منذ لحظت الإنفصال بدأت تتفرغ فتحية العسال لمشروعها الذى منحه الزمن لها منذ طفولتها، أنضمت الى عضوية اتحاد الكتاب، ورئسة جمعية الكاتبات المصريات، وأصبحت أمين عام اتحاد النساء التقدمي،من ناحية اخرى لم تترك فتحية العسال قلمها ليجف حبره وانطلقت للكتابة فى المسرح فكتبت عشر مسرحيات وكتبت 57 مسلسلا منهم :" مسلسل رمانة الميزان وسيناريو مسلسل شمس منتصف حبره، وحبال من حرير "، وحصلت على 1975 على جائزة افضل مسلسل للعام هو " لحظة صدق" وتم تكريمها فى مهرجان المخرجة المسرحية سنة 2009، كما كرمها المركز الوطنى للعيون فى صيدا . فى 30 يونيو عام 2013 ، وقبل عام ذهبت الكاتبة التى طالما دافعت عن حرية الفكر والإبداع واهتمت بقضايا المراة والثقافة والهوية الى مكتب وزير الثقافة فى نظام المخلوع محمد مرسى حين استشعرت محاولات الجماعة الإرهابية تدمير الهوية المصرية ثقافيا وفنيا وكانت اول من اعتصمت فى اعتصام المثقفين الشهير الذى كان النواة الاولى لتفجير ثورة 30 يونيو ضد نظام حكم الجماعة الإرهابية. منذ شهر دخلت فتحية العسال مستشفى المعادي العسكري إثر إصابتها بأزمة صحية، وكانت تامل ان تحتفل وسط كل المصريين بعام ثورة 30 من يونيو الاول و المقرر الإحتفال به نهاية الشهر الجارى، ولكنها رحلت صباح اليوم الأحد عن عمر يناهز 81 عاماً، اإلا ان صورتها وهى نائمة فى إعتصام وزارة الثقافة متشبسة لم تخف هجوم الجمعه الارهابية ستبقى فى ذاكرة ووجدان كل من قال لا لتدمير هوية مصر.