العلاقة بين جماعة الإخوان المسلمين والثقافة في مصر كانت أقرب إلى التوتر والصراع طيلة العقود الماضية، ولكن جماعة الإخوان المسلمين كانت حينئذ مجرد تيار سياسي يهدف إلى الحصول على السلطة لتنفيذ أيدلوجياتهم وأفكارهم المحددة، ولكن الآن أصبحوا أكبر وأهم تيار، وأيا كانت توجهاتهم فأصبحوا الآن ذات تواجد شرعي بعد إعلان أول رئيس جمهورية منتخب في تاريخ مصر من داخلهم، وعن مستقبل الثقافة في مصر بعد تولي الذراع السياسي للجماعة مقاليد الحكم في مصر قال المفكر "عبدالمنعم تليمة" أن الثقافة باتت في برامج كافة القوى السياسية مهملة حتى وإن صيغت وجدنا لها صياغة ركيكة لا تدنو إلى آفاق ثقافية حقيقية، أما عن جماعة الإخوان المسلمين قال أنها أكثر القوى السياسية استعلاء على الثقافة بمواقفهم السياسية الهدامة وأكثر تخلفا – على حد تعبيره. وأضاف انه لا يتوقع أبدا أن يتم مصادرة أية عمل فني في الفترة القادمة ما دام هناك فصيل شبابي ثوري في الشارع المصري مشيرا إلى أن المعارضة حينئذ ستكون أكثر قوة، مشيرا إلى دور جبهة الدفاع عن الإبداع المصري خاصة في الفترة القادمة التي قال أنهم كانوا يفكرون بها منذ فترة كبيرة قبل الثورة بعد التضليل الإعلامي الذي مارسه مبارك علينا من خلال كبح جماح أية أعمال فنية تهدف إلى تصوير الواقع المرير. مضيفا أن أشهر العسل التي حاول بعض الفنانين أن يقيموها مع أركان النظام السابق حتى يتثنى لهم أن يتربحوا من وراء ذلك باتت في خبر كان الآن وأكد أن الإبداع المصري لم ولن يتوقف مهما كانت المصاعب في الفترة القادمة ولكن علينا أن نعمل على الارتقاء بالفن والثقافة التي نقدمها للمجتمع. أما الشاعر شعبان يوسف قال إن العلاقة بين الإخوان والثقافة تكاد تكون معدومة خاصة على مستوى الثقافة الحرة المستقلة التي رأى أن بها درجة كبيرة من العدوانية، وضرب يوسف مثال بالمجلات التي أصدروها مثلا في الخمسينيات وهي مجلة الدعوة مثلا جاءت مقيدة بالتقليدية الدينية ومحدودة وشكلية. وأضاف أن أداءهم في البرلمان تجاه قضايا الإبداع كانت مخزلة للغاية وتلخصت في حجب كتب ومصادرتها مثل رواية الصقار لسمير غريب علي والقضايا الأخرى كألف ليلة وليلة، مشيرا إلى أن مواقف الإخوان كانت دائما وأبدا هجوميه وعدوانية متصورا أن يغيب ذلك المشهد في أولى فترات حكمهم ولكنه أكد أنها ستظهر على السطح بعد فترة تمكنهم من مقاليد السلطة كاملة وأشار يوسف إلى الأديب نجيب الكيلاني وقال إنه الظاهرة الوحيدة التي تبشر بالأمل إذا استطاعوا إفراز الكثير من أمثاله في الفترة القادمة لأنه كان إخوانيا مستنيرا وأديبا ذو رؤية جيدة، مؤكدا أنه على الرغم من ذلك فهو على ثقة بأن المثقفون لن يتنازلوا عن حقوقهم وسيدافعون عنها بشكل مستيمت. أما الكاتب بشير الديك جاء متفائلا خاصة في الفترة القادمة وقال إن هناك فرق بين الابتزال والإبداع مشيرا إلى عهد مبارك الذي مورس فيه الابتزال تحت دعوى التحرر على الرغم من مصاردة الأعمال السياسية التي كانت تكشف الأوضاع المترديه في المجتمع. وقال إن الصراع بين الإخوان والإبداع لايجوز أن يستبق خاصة وأننا في مجتمع أصبح أكثر ديمقراطية وكما يطالب المبدعين بحرية الإبداع عليهم أيضا أن يلتزموا بالفن المحترم الهادف. مؤكدا على ضرورة وضع قيم محددة ومعينة لتكن الفيصل بين أية جهة رقابية وبين الكتاب وإلا سيصبح القانون هو الفيصل. ورأى الديك أن الحرية تكمن في مدى التحكم في حريات الشعب المصري كافة وليس الكتاب فقط لأننا في مجتمع شرقي له ضوابط وآليات تحمكه فالفن لم يأت لإثارة الفتن والغرائز وهناك العديد والعديد من الأعمال الفنية التي تحاكي الواقع بشكل فوق الرائع وخالية تماما من أي مشاهد إباحية، فالبعد عن الإسفاف هو الفيصل. أما الكاتب الشاب أحمد دومة قال إن الثقافة جزء لا يتجزأ من المجتمع ومرهونة بآليات السياسية على أرض الواقع وقال إن الإخوان المسلمين لا يؤمنون بمبادئ الحرية الفكرية كالتي يعرفها المدنيين. مشيرا إلى أن وصول مرسي لكرسي الحكم أصبح خطرا على الحرية بشكل عام وربما يظهر في أشهره الأولى من الحكم أكثر تحررا كنوع من المجاراة وطمأنة الناس. مؤكدا أن ذلك لن يدم كثيرا لأن الإخوان لا يتقبلون الرأي الآخر فالآخر عندهم إما كافر أو مشرك أو ملحد، حسب وصفه. وأتصور أنهم سيصفون حساباتهم مع بعض الكتاب والمفكرين الذين يروا أنه ضد الدين كما تمنى على صاحب القرار في الفترة القادمة في الجماعة في إشارة منه إلى المهندس خيرت الشاطر – على حد قوله - أن يتنبى موقفا محترما من حرية الرأي والإبداع. كما تصور عضو اتحاد كتاب مصر الشاعر حزين عمر أن الثقافة بالمعنى الإنساني الواسع والعميق غير مدرجة على اهتمامات الجماعة ونستنتج هذا من أكثر من مشهد فهم لم يقدموا أي مفكر أو مبدع على مدى ال83 عاما والأديب الوحيد الذي عرف في هذه الجماعة هو سيد قطب الذي تبرأ من مماكتب حينما كان يساريا. واستنكر حزين خلو أول خطاب للرئيس محمد مرسي من موقف الأدباء والمثقفين ووصفها بالصدمة الكبيرة حين يهنئ كافة طوائف الشعب وصولا لسائقي التوكتوك ولا يذكر مثقفي مصر ومبدعيها! وكأنهم غير موجودين بالمجتمع وهذا أمر غريب جدا على رئيس جمهورية وأستاذ جامعي. وأضاف: أرى أن وزارة الثقافة سيكون وضعها صعب للغاية وقد يتعاملون مع المبدعين بصفتهم موظفين وقد يعيدوا المفهوم الاشتراكي للأدب الملتزم الذي يخدم قضية سياسية بعينها وقد يلغوا الكثير من الفرق الفنية في مجال المسرح وأقول "قد" لأن هذا وارد أن يحدث إذا أديرت وزارة الثقافة بنظرة حزبية ضيقة أما إذا أديرت بمفهوم قومي فقد لا تحدث هذه السلبيات التي ذكرتها سلفا واستطرد قائلا: في كل الأحوال لا نعول على وزارة الثقافة الحياة الثقافية في مصر لأنها كانت تفتقر لأية إيجابيات قبل الثورة فهي وزارة أشاعت الفساد والرشوة وتهريب الآثار على مدى ربع قرن وأقرت مفاهيم التسجين الثقافي وحظيرة المثقفين فما زالت هذه السياسية مستمرة ويوجد الكثير من المثقفين الذين يقال عنهم مستشارين ويتقاضون مئات الآف من الجنيهات تتكبدها الدولة دون وجه حق وللأسف لم يجرأ أي وزير على تغيير أركان فاروق حسني بالوزارة . وعن مستقبل الثقافة المصرية في ظل حكم الإخوان قال إن الثقافة موجودة قبل الإخوان وبعد الإخوان وبوجود الإخوان لأن ثقافتنا العربية ممتدة لآلاف السنين وكانت أكثر ازدهارا قبل أن تنشأ وزارة الثقافة من الأساس على يد ثروت عكاشة وكل الرواد العظماء الذين أفرزوا في عهد ما قبل ثورة يوليو أمثال أحمد لطفي السيد وأحمد أمين وأمين الخولي ثم واصلت ثورة يوليو تقدم الفكر والمفكرين من أمثال محمد مندور وعبدالرحمن الشرقاوي وصلاح عبد الصابور وعلي أحمد بكاثير وبالتالي فالمسألة ليست متعلقة بوزارة الثقافة كمؤسسة حكومية. كما أيد عضو اتحاد الكتاب إلغاء وزارة الثقافة، مشيرا إلى أن هذا لا يعني عدم الاهتمام بالثقافة ولكن إطلاق حرية الرأي والإبداع لأنها كانت تحاصر المثقفين المختلفين مع نظام مبارك في السابق واقترح إنشاء "مجلس شعب" ثقافي بدلا من المجلس الأعلى للثقافة على أن يكون هو المهيمن على قطاعات وهيئات الثقافة المختلفة وتجرى انتخابات حرة لاختيار قياداته وتكون ذو رؤية كاملة عن مسمى المثقف ومن هو وكيف يتم التعامل معه.