من الميدان إلى السجن إلى الميدان ثم طريق ممهد لرئاسة الحكومة عادت رئيسة الوزراء الأوكرانية السابقة، يوليا تيموشينكو، إلى المشهد السياسي من جديد بعد أن تمكنت بعون من قوى المعارضة والبرلمان في الإطاحة بالرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش، وهي الآن مرشحة لأن تتولى منصب رئيس الوزراء حالياً في ظل الحكومة المؤقتة بقيادة رئيس البرلمان الحالي الأوكراني، ألكسندر تورتشينوف، الذي اتخذ قرار عزل يانوكوفيتش بعد موافقة البرلمان بالإجماع. وقد قادت تيموشينكو "الثورة البرتقالية" التي اندلعت عبر سلسلة من الاحتجاجات والأحداث السياسية التي شهدتها الساحة الأوكرانية في أواخر نوفمبر 2004 حتى يناير 2005، والتي نشبت بسبب الصراع على السلطة بين طرفين هما: الرئيس الأوكراني السابق فيكتور يوشيشينكو، وحليفته زعيم كتلة المعارضة البرلمانية الأقلية - يوليا تيموشينكو، وبين رئيس الوزراء حينها فيكتور يانوكوفيتش وحلفاءه زعماء كتلة الأغلبية البرلمانية. وبمجرد قيام يوشيشينكو بإصدار مرسوماً جمهورياً بحل البرلمان الأوكراني وإجراء انتخابات جديدة اندلعت الشرارة التي أشعلت الشارع الأوكراني، ومن ثم قامت على الفور كتلة الأغلبية البرلمانية بقيادة رئيس الوزراء حينها، يانوكوفيتش، برفض المرسوم الجمهوري، والاعتراض عليه باعتباره يتعارض مع الدستور، وأكدت الأغلبية البرلمانية بأنها سوف تستمر في القيام بأداء مهامها الدستورية، واستمر الطرفان في التنازع بانتظار قرار المحكمة الدستورية للنظر في الأمر. والجدير بالذكر أن إدارة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش دعمت الثورة البرتقالية، وكأن التاريخ يعيد نفسه وتأتي الإدارة الأمريكية الحالية بقيادة رئيس الولاياتالمتحدة، باراك أوباما، لتدعم الثورة الأوكرانية الحالية التي لازالت تجوب شوارع العاصمة كييف حتى بعد عزل الرئيس يانوكوفيتش. وجاء دعم الإدارة الأمريكية للثورة البرتقالية في صالح المعارضة الأوكرانية المتمثلة في فيكتور يوشيشينكو وحليفتة يوليا تيموشينكو، وانتصرت الثورة البرتقالية في نهاية عام 2004، وأصبح يوشيشينكو رمزاً لأوكرانيا الجديدة، واعتبروا تيموشينكو مثالاً للمغامرين الأوكرانيين. وقد عملت تيموشينكو في البداية في حكومة رئيس الوزراء السابق بافل لازارينكو، الذي فتح لها أبواب العاصمة كييف، ففي إطار خطته لحل أزمة الطاقة التي كانت تعاني منها البلاد في ذلك الوقت، نتيجة عجز المصانع الأوكرانية عن تسديد فواتير الغاز الروسي، أنشأ لازارينكو شبكة من شركات الغاز الوطنية لإمداد المصانع بالغاز في مقابل ما تستطيع تلك المصانع تسديده سواء نقود أو بضائع أو أسهم، وحصلت شركة تيموشينكو على نصيب كبير من تلك العقود حتى أنها أصبحت تسيطر على 20% من إجمالي الناتج القومي الأوكراني، وأطلق عليها لقب أميرة الغاز، ثم تخلت تيموشينكو عن لازارينكو فيما بعد، وأقيل لازارينكو بتهمة الفساد واستغلال النفوذ في عام 1997، إلا أن تيموشينكو استطاعت إقصاء نفسها عن الفضيحة واستكملت مسيرتها وتوغلت في عالم السياسة وتولت منصب وزيرة الطاقة في حكومة يوشينكو في عهد الرئيس السابق ليونيد كوتشما، حتى أقالها بسبب تغييرات جذرية اتخذتها في قطاع الوقود والطاقة. وفي عام 2001، وجهت لها رسمياً اتهامات الفساد والتهرب الضريبي ورشاوى وتزوير وثائق لاستيراد 3 مليارات متر مكعب من الغاز الروسي، ثم أسقطت التهم عنها وأطلق سراحها, واستغلت حادثة اغتيال صحفي معارض لقيادة مظاهرات حاشدة في شوارع العاصمة كييف للمطالبة بالإطاحة بالرئيس كوتشما وشكلت حزب الوطن الأم، وذلك جعل صورتها في أذهان العامة تتحول من الشخصية الانتهازية التي تنتمي لطبقة الأثرياء الجدد إلى رمز للمقاومة والتصدي للديكتاتورية، ورسخت هذه الصورة بشكل أكبر بعد الدور الذي قامت به خلال الثورة البرتقالية. وبعد ذلك عملت تيموشينكو مع يوشيشنكو ومع خصمه السياسي فيكتور يانوكوفيتش، وفي أواخر سبتمبر 2007، أصبحت تيموشينكو رئيسة وزراء أوكرانيا، وعند تولي فيكتور يانوكوفيتش الرئاسة في عام 2010، فتحت السلطات الأوكرانية تحقيقاً يتعلق باتفاقية لاستيراد الغاز الطبيعي من روسيا بشروط تضر باقتصاد البلاد، وقررت محكمة في العاصمة الأوكرانية حبس يوليا أثناء محاكمتها، واتهمتها النيابة العامة الأوكرانية بتجاوز صلاحيتها في توقيع اتفاقية لاستيراد الغاز الطبيعي من روسيا عام 2009، ثم قضت محكمة أوكرانية، بسجن تيموشينكو 7 أعوام، على خلفية إدانتها بتهمة سوء استغلال السلطة. وقد قادت رئيسة الوزراء الأوكرانية السابقة صفوف المعارضة في العاصمة كييف، حتى أقال البرلمان الرئيس يانوكوفيتش بعد إصرار المعارضة الأوكرانية على عزل الرئيس الأوكراني واستمرار الاحتجاجات لثلاثة شهور متواصلة، ومن المتوقع أن تعود يوليا تيموشينكو إلى منصبها السابق كرئيسة للوزراء.