محسن بهنسي: كان لدينا أمل أن يتم الحكم على المتهمين بالحبس لأن الأدلة في قضية شهداء الإسكندرية كانت أقوى من مختلف القضايا الأخرى. عبد الرحمن الجوهري: "130 شاهد في القضية لم تسمع المحكمة منهم سوى 20 أو 30 شخص. والد محمد رمضان: شاركت في كتابة تقرير تقصي الحقائق الذي تم رميه وأعلم من البداية أن القضاء مسيس أُسدل الستار هذ الأسبوع على آخر قضية من قضايا شهداء 25 يناير بالمحافظات، بعدما أصدرت محكمة جنايات الإسكندرية حكمها ببراءة 6 من قيادات وأفراد الشرطة بقضية قتل 83 شهيد خلال أحداث جمعة الغضب بالإسكندرية، فضلا عن إصابة المئات من المتظاهرين. وعلى الرغم من أن هذا الحكم كان متوقعا، قياسا على مختلف قضايا قتل المتظاهرين بالمحافظات، إلا أن المحامي محسن بهنسي، محامي الدفاع عن الحق المدني، أوضح أنه كان لديه هو وأسر الشهداء أمل في أن يتم الحكم على المتهمين بالحبس لأن الأدلة في قضية شهداء الإسكندرية كانت أقوى من مختلف القضايا الأخرى، حيث أنه تم الاستماع لشهادات شهود تؤكد تورط قوات الأمن في قتل المتظاهرين بالرصاص الحي في الفترة ما بين صلاة الظهر وصلاة العصر في وسط المدينة وتحديدا بميادين القائد إبراهيم، المنشية، محطة الرمل، ومحطة مصر، إلا انه لم يتم الأخذ بها كم لم يتم الأخذ بمختلف التسجيلات التي حاول المحامون تقديمها نقلا عن النشطاء والصحفيين. وأوضح محامي الدفاع عن الحق المدني محسن بهنسي أنه سبق وتقدم بطلب للمحكمة بإرجاء إعلان حكمها في القضية لحين صدور قرار نهائي في قضية تورط كل من حسني مبارك وحبيب العادلي في قضية قتل المتظاهرين، باعتبار قضية ضباط الإسكندرية جزءا من الكل، خاصة أن المستشار إسماعيل عطية محمد كان قد سبق وقال بنفسه أن هناك العديد من قضايا قتل المتظاهرين ومنها قضية شهداء الإسكندرية كان يجب أن تجرى لها محاكمة ثورية غير عادية، مشيرا إلى ان هناك حالة من غياب العدالة الانتقالية بشكل واضح في جميع قضايا قتل المتظاهرين منذ بداية الثورة حتى الآن. وتساءل المحامي الحقوقي عبد الرحمن الجوهري (منسق حركة كفاية) عن الأسباب التي منعت هيئة المحكمة من سماع عدد كبير من شهود الإثبات في الواقعة من بينهم أهالي وأصدقاء الضحايا والمصابين، قائلا: "130 شاهد في القضية لم تسمع المحكمة منهم سوى 20 أو 30 شخص، كما لا يعلم أحد ما فائدة تقرير تقصي الحقائق الذي عكف عليه مجموعة من الحقوقيين والنشطاء وأهالي الشهداء ولم تأخذ المحكمة به في النهاية"، مطالبا بمحاكمة النائب العام الأسبق عبد المجيد محمود، متهما إياه أنه أهمل التحقيق في القضية وتعمد بمساعدة رجالة في النيابة إهدار أدلة الإدانة القوية والقاطعة، ليقدموا في النهاية قضية مهلهلة المعالم لهيئة المحكمة. وفي تعقيبه على الحكم، قال رمضان محمد أحد أعضاء لجنة تقصي الحقائق التي تم تشكيلها بعد الثورة لجمع أدلة الإدانة وتقديمها لجهات التحقيق في هذه القضية -والد الشهيد محمد رمضان- أنه لم يندهش من صدور حكم بالبراءة، قائلا: "نحن نعلم أن القضاء المصري مسيس منذ الستينات إلا فيما ندر، بينما اغلب القضاة مسيسون ولابد أن يكونوا ينفذون سيناريو معد سلفا"، وأوضح رمضان أنهم تقدموا بتقرير لجنة تقصي الحقائق للرئيس المعزول محمد مرسي الذي طالبهم بتقديمه للنائب العام إلا ان ما أطلق عليه وقتها "نيابة الثورة" قد سقطت بعد أحداث 30 يونيو ولم تأخذ المحكمة بالتقرير في شيء. جدير بالذكر أن هذه القضية تحديدا واجهتها عدة عقبات على مدار 3 سنوات، أولها تنحي المستشار محمد عبد الهادي عن نظرها في 20 يناير 2013 بعد مرور حوالي 5 أشهر على بدايتها بسبب وقوع بعض الضغوط عليه نتيجة تكرار أعمال الاشتباكات بين الأهالي وقوات الأمن، وواجه الأهالي مشكلة ثانية بنقل مقر المحاكمة لأكاديمية الشرطة بالقاهرة بدلا من الإسكندرية لدواعي أمنية، وجاءت المشكلة الأكبر برفض عدد كبير من محاميي الدفاع عن الحق المدني السفر بخلاف القبض على آخرين خلال الشهور الأخيرة لانتمائهم لجماعة الإخوان المسلمين، وعلى رأسهم المحامي خلف بيومي، مدير مركز الشهاب لحقوق الإنسان، ليصبح هناك محامي واحد فقط حاضر عن أهالي الشهداء وهو محسن بهنسي. وكشفت أخت الشهيد محمد حنفي -الذي توفي بست رصاصات خلال مشاركته في مظاهرة بمنطقة محطة مصر- أن موقف أهالي الشهداء أصبح أضعف في القضية بعد انسحاب عدد منهم، مشيرة إلى أن محاميي الدفاع عن المتهمين حاولوا تقديم تعويضات مادية لهم للتنازل عن القضايا وبالفعل نجحوا في إقناع 4 أسر تنازلوا عن قضاياهم عن طريق مبالغ مادية تراوحت ما بين 150 إلى 500 الف جنيه. وفي محاولة لاسترجاع المشهد يوم 28 يناير بالإسكندرية، نجد مئات الآلاف الذين شاركوا في مظاهرات احتجاجية انطلقت من مختلف أحياء بشرق وغرب المدينة بعد صلاة الجمعة، وتجمعت أغلبها بطريق كورنيش البحر، بالرغم من وقوع أحداث عنف وقتل واضحة من قبل رجال الشرطة وقوات الأمن المركزي المكلفة بصد التظاهرات بميادين: القائد إبراهيم بمحطة الرمل، وأمام محكمة المنشية، بخلاف محطة مصر، لتتوقف الاشتباكات بعد الثالثة والنصف عصرا بعد صدور أوامر لجميع أفرد الشرطة بالانسحاب من مواقعهم، لتتكرر بعدها أحداث العنف ليلا أثناء محاولة اقتحام الأقسام والاشتباك مع عساكرها. وتنشر "الوادي" روايات عدد من أهالي شهداء ثورة 25 يناير بالإسكندرية، حول مكان وطريقة استشهادهم وتعليقاتهم بعد صدور الحكم ببراءة القتلة، حيث قالت والدة الشهيد محمد حنفي (26 سنة) أنه كان مشاركا في تظاهرات محطة مصر بوسط الإسكندرية التي انطلقت بعد صلاة الظهر، وتم قتله برصاص قوات الشرطة أمام سنترال لمحطة مباشرة اثناء محاولته إسعاف أحد المصابين، إلا انه تم استهدافه بست رصاصات اخترقت جسده، قائلة: "معرفش عمل ايه عشان يموت ب6 رصاصات يعني؟ كل دة عشان كان بيساعد زمايله انهم ما يموتوش؟ احنا مالناش غير ربنا يظهر الحق ويقتص لنا". وكما قالت والدة إسلام محمد السيد (24 سنة) أنه كان يستعد لزواجه بعد خطوبته لسنوات، حاول خلالها تكوين نفسه بقدر الإمكان وقبل أسابيع من الفرح اندلعت الثورة، وقرر المشاركة في تظاهرات جمعة الغضب رغم انه كان لديه عمل ولكن تركه من اجل المشاركة في المظاهرات بعد ان اتفق مع مجموعة من اصدقائه على المشاركة في مظاهرة كبيرة خرجت من منطقة محرم بك بوسط الإسكندرية وتم قتله خلال المسيرة، واتهمت الضابط مصطفى الدامي شخصيا بإصابته ب3 طلقات، قائلة: "أنا عارفة ان الدامي هو اللى قتل ابنى ولو المحكمة ماجابتش حقي ربنا هو اللى حيجيبه مهما طال الزمن". بينما اكتفت والدة الشهيد أحمد مصطفى والشهير ببلال (18 سنة) وهو أول من سقط خلال تظاهرات محكمة المنشية بعد صلاة الجمعة خلال الأحداث بجملة واحدة قائلة: "القضاء فاشل فاسد.. وحسبي الله ونعم الوكيل"، معربة عن تخوفها من البداية من الحكم الصادم وعن خيبة أملها في أي نيابة وأي حكم قضائي بعد كل ما جرى خلال الثلاثة سنوات الماضية، مضيفة: "قبل ما بلال ينزل قولتله بلاش مالكش دعوة بالمظاهرات بس النهاردة عرفت إن عنده حق وإن اللى هتف ضدهم كانوا يستاهلوا الحرق عشان البلد دي تنضف". وأكدت والدة الشهيد فوزي أنور علي (13 سنة) أنها عانت أشد المعاناة بحثا عن ابنها حتى وجدته بمشرحة كوم الدكة بعد 7 أيام على الواقعة، لأنه لا يحمل بطاقة ولذا لم يتم التعرف على هويته من قبل رجال الأمن ولا الإسعاف، قائلة: "حبيبي كان بيصرف على البيت وبيساعدنا من وهو عنده 10 سنين.. وكان رايح يشتري هدوم من المنشية لكن هناك كان فيه مظاهرات واتضرب بطلق ناري.. وبعد ما سلمولي حاجته لقيت صور للمظاهرات على تليفونه"، "متسائلة: "قتلوا ابنى عشان ماكانش في المظاهرة؟ ولا عشان حاول يصورها؟ نفسي أعرف ذنبه ايه". وقالت والدة أحمد عامر (20 سنة) أنه كان أحد ضحايا رصاص رجال المقدم وائل الكومي رئيس مباحث الرمل، عندما ذهب للمشاركة في إسعاف المصابين أمام قسم الرمل عندما تواردت الأخبار بسقوط عدد كبير منهم خلال أحداث الاشتباكات ليلقى حتفه بعد دقائق من وصوله رغم عدم مشاركته في التظاهرات قبل ذلك، وعلقت على الحكم ببراءة قاتليه: "القصاص حناخده حناخده لو مش النهاردة يبقى بعد 100 سنة.. بس مش حنسيب حقنا". فيما استرجع والد شهيد الإسكندرية حسين طه وقائع استشهاد ابنه أمام مسجد القائد إبراهيم بطلق ناري أثناء مشاركته في المظاهرات، بعدما استغرق ثلاثة أيام بحث فيها عن ولده منذ اختفائه يوم 28 يناير، خاصة بعدما أخبره بعض الشباب أنهم نقلوه إلى مستشفى السلام الخاصة ولكنها لم تتعرف على نجله، ولم يعثر عليه إلا في مشرحة "كوم الدكة"، قائلا: "ابني عاش سنوات يحلم بالتخرج من كلية الحقوق ليكون وكيلا للنيابة ليرفع الظلم عن المظلومين، ولم يعلم أنه سيكون أحد هؤلاء المظلومين.. أهالي كل الشهداء عارفة ان مبارك والعادلى أمروا بضرب النار الحي وكل الدنيا عارفة ومع ذلك أنا ماكنتش متوقع أن المتهمين يتسجنوا زي ما حصل في كل القضايا". كانت النيابة العامة كانت قد أسندت إلى المتهمين الستة وعلى رأسهم اللواء محمد إبراهيم، مدير أمن الإسكندرية الأسبق، واللواء عادل اللقانى، رئيس قطاع الأمن المركزى بالإسكندرية الأسبق، والمقدم وائل الكومى رئيس مباحث الرمل ثاني، تهمة القتل العمد مع سبق الإصرار، وإصدار أوامر للضباط والجنود بإطلاق الأعيرة النارية لردع المظاهرات، وهو أمر غير منصوص عليه في لائحة الشرطة الخاصة بفض الاعتصامات والمظاهرات، خاصة أن التقارير الطبية أكدت بأن أسباب الوفاة والإصابة التي لحقت بالمجني عليهم، جاءت بسبب استخدام أسلحة نارية وخرطوش، وأن ضباط الشرطة المتهمين حصدوا أرواح المجني عليهم بعد قيامهم باعتلاء أسطح أقسام الشرطة ليتخذوا منها قلاعا لإطلاق الرصاص والخرطوش على المجني عليهم لحملهم على الانصراف والتفرق.