الرسائل بدأت بإعجاب مي ب«الأجنحة المتكسرة» وحولتها لمتيمة بجبران ل12 عاما دون أن تراه بعد 9 سنوات من تعارفهما.. مي تعترف بالحب لجبران لأول مرة: «أحبك قليلاً، كثيراً، بحنو، بشغف، بجنون، لا أحبك» جبران لمي: أحبُّ صغيرتي غير أنني لا أدري بعقلي لماذا أحبها.. يكفي أنني أحبها بروحي وقلبي.. ويكفي أن أسير إلى جانبها نحو قمة الجبل جبران في رسالة لمي: منذ كتبت إليك وأنت في خاطري ولقد صرفت الساعات الطوال مفكراً بك مخاطبا إياك مستجوبا خفاياك موت جبران: مي تعلن الحداد وتعتبر نفسها أرملته.. وتحرص على اصطحاب رسائله معها أينما كانت لم تعتقد مي زيادة وهي تكتب أولى رسائلها لجبران خليل جبران مناقشة إياه في أعماله، أن تلك الرسائل ستقلب حياتها وتحولها من عاشقة لكلمات شخص لم تره إلى عاشقة لإنسان كل ما تربطها به خطابات بريدية تصلها كل بضعة أشهر، ونظراً لصعوبة الاتصال بمقاييس هذا الزمان ولبعد المسافة بينهما حيث كانت مي تقيم بمصر وجبران يقيم بأمريكا، بدأت مي في إرسال أولى رسائلها عام 1912عقب إطلاعها على إحدى أعمال جبران "الأجنحة المتكسرة" لتعبر له عن إعجابها بهذا العمل ورأيها به، ليقوم جبران بعدها بالرد عليها بعدة خطابات تتدرج لغتها من الرسمية إلى الشخصية منها :" عزيزتي الآنسة مي منذ كتبت إليك وأنت في خاطري ولقد صرفت الساعات الطوال مفكراً بك، مخاطبا إياك، مستجوبا خفاياك، مستقصيا أسرارك". وجاء في رسالة أخرى من جبران لمي: "أحبُّ صغيرتي، غير أنني لا أدري بعقلي لماذا أحبها، ولا أريد أن أدري بعقلي. يكفي أنني أحبها. يكفي أنني أحبها بروحي وقلبي، يكفي أنني أسند رأسي إلى كتفها كئيباً غريباً مستوحداً فرحاً مدهوشاً مجذوباً، يكفي أن أسير إلى جانبها نحو قمة الجبل وأن أقول لها بين الآونة والأخرى أنتِ رفيقتي، أنتِ رفيقتي". ألا أن مي على الرغم من حرارة الرسائل التي كان جبران يمطرها بها، كانت متحفظة في بادئ الأمر، تمتنع في بعض الأوقات عن مراسلة جبران، لكنها تعود مرة أخرى لمراسلته مستجيبة لقلبها. استمرت علاقة مي بجبران لمدة عشرين عام لم يكتب لهما اللقاء خلالها، وانتهت تلك العلاقة بموت جبران عام 1931 الذي ترك أثار سيئة على مي استمرت حتى رحيلها ، حيث أعلنت الحداد عليه واعتبرت نفسها أرملته وصرحت في عدة مقالات بعلاقتها به وبرسائلهما، كما كانت تصحب رسائله لها في جميع الأماكن التي ارتادتها أو أجبرت عليها كالمصحة النفسية التي قام أقاربها بلبنان بإدخالها فيها,حيث كانت تجد في تلك الرسائل السلوان. وكانت أول اعتراف بالحب من مي لجبران في مطلع رسالة 21 مايو 1921 حيث قالت: «أحبك قليلاً، كثيراً، بحنو، بشغف، بجنون، لا أحبك». الوادي تعيد نشر أبرز رسائل مي زيادة وجبران خليل جبران : من مي إلى جبران : (...جبران! لقد كتبت كل هذه الصفحات لأتحايد كلمة الحب. إن الذين لا يتاجرون بمظهر الحب ودعواه في المراقص والاجتماعات، ينمي الحب في أعماقهم قوة ديناميكية قد يغبطون الذين يوزعون عواطفهم في اللألأ السطحي لأنهم لا يقاسون ضغط العواطف التي لم تنفجر، ولكنهم يغبطون الآخرين على راحتهم دون أن يتمنوها لنفوسهم، ويفضلون وحدتهم، ويفضلون السكوت، ويفضلون تضليل القلوب عن ودائعها، والتلهي بما لا علاقة له بالعاطفة. ويفضلون أي غربة وأي شقاء (وهل من شقاءٍ في غير وحدة القلب؟) على الاكتفاء بالقطرات الشحيحة. ما معنى هذا الذي أكتبه؟ إني لا أعرف ماذا أعني به، ولكني أعرف أنك محبوبي، وأني أخاف الحب. أقول هذا مع علمي أن القليل من الحب الكثير. الجفاف والقحط واللاشيء بالحب خير من النزر اليسير. كيف أجسر على الإفضاء إليك بهذا. وكيف أفرط فيه؟ لا أدري. الحمد لله أني أكتبه على الورق ولا أتلفظ به لأنك لو كانت الآن حاضراً بالجسد لهربت خجلاً بعد هذا الكلام، ولاختفيت زمناً طويلاً، فما أدعك تراني إلا بعد أن تنسى. حتى الكتابة ألوم نفسي عليها، لأني بها حرة كل هذه الحرية.. أتذكر قول القدماء من الشرقيين: إن خير للبنت أن لا تقرأ ولا تكتب. إن القديس توما يظهر هنا وليس ما أبدي هنا أثراً للوراثة فحسب، بل هو شيء أبعد من الوراثة. ما هو؟ قل لي أنت ما هو. وقل لي ما إذا كنت على ضلال أو هدى فإني أثق بك.. وسواء أكنت مخطئة أم غير مخطئة فإن قلبي يسير إليك، وخير ما يفعل هو أن يظل حائماً حواليك، يحرسك ويحنو عليك.... غابت الشمس وراء الأفق، ومن خلال السحب العجيبة الأشكال والألوان حصحصت نجمة لامعة واحدة هي الزهرة، آلهة الحب، أترى يسكنها كأرضنا بشر يحبون ويتشوقون؟ ربما وجد فيها بنت هي مثلي، لها جبران واحد، حلو بعيد هو القريب القريب. تكتب إليه الآن والشفق يملأ الفضاء، وتعلم أن الظلام يخلف الشفق، وأن النور يتبع الظلام، وأن الليل سيخلف النهار، والنهار سيتبع الليل مرات كثيرة قبل أن ترى الذي تحب، فتتسرب إليها كل وحشة الشفق، وكل وحشة الليل، فتلقي بالقلم جانباً لتحتمي من الوحشة فاسم واحد: جبران). من جبران إلى مي نحن اليوم رهن عاصفة ثلجية جليلة مهيبة، وأنت تعلمين يا ماري أنا أحب جميع العواصف وخاصة الثلجية، أحب الثلج، أحب بياضه، وأحب هبوطه، وأحب سكوته العميق. وأحب الثلج في الأودية البعيدة المجهول حتى يتساقط مرفرفاً، ثم يتلألأ بنور الشمس، ثم يذوب ويسير أغنيته المنخفضة. أحب الثلج وأحب النار، وهما من مصدر واحد، ولكن لم يكن حبي لهما قط سوى شكل من الاستعداد لحب أقوى وأعلى وأوسع. ما ألطف من قال: يا مي عيدك يوم وأنت عيد الزمان انظري يا محبوبتي العذبة إلى قدس أقداس الحياة، عندما بلغت هذه الكلمة ((رفيقة)) ارتعش قلبي في صدري، فقمت ومشيت ذهاباً في هذه الغرفة كمن يبحث عن رفيقه. ما أغرب ما تفعله بنا كلمة واحدة في بعض الأحايين! وما أشبه تلك الكلمة الواحدة برنين جرس الكنيسة عند الغروب! إنها تحول الذات الخفية فينا من الكلام إلى السكوت، ومن العمل إلى الصلاة. تقولين لي أنك تخافين الحب. لماذا تخفين يا صغيرتي؟ أتخافين نور الشمس؟ أتخافين مد البحر؟ أتخافين مجيء الربيع؟ لماذا يا ترى تخافين الحب؟ أنا أعلم أن القليل من الحب لا يرضيك، كما أعلم أن القليل في الحب لا يرضيني، أنت وأنا لا ولن نرضى بالقليل. نحن نريد الكثير. نحن نريد كل شيء. نحن نريد الكمال. أقول يا ماري إن في الإرادة الحصول، فإذا كانت إرادتنا ظلاً من أظلال الله، فسوف نحصل بدون شك على نور من أنوار الله. لا تخافي الحب يا ماري، لا تخافي الحب يا رفيقة قلبي، علينا أن نستسلم إليه رغم ما فيه من الألم والحنين والوحشة، ورغم ما فيه من الالتباس والحيرة. اسمعي يا ماري: أنا اليوم في سجن من الرغائب، ولقد ولدت هذه الرغائب عندما ولدت. وأنا اليوم مقيد بقيود فكرة قديمة، قديمة كفصول السنة، فهل تستطيعين الوقوف معي في سجني حتى نخرج إلى نور النهار وهل تقفين إلى جانبي حتى تنكسر هذه القيود فنسير حرين طليقين نحو قمة جبالنا؟ والآن قربي جبهتك. قربي جبهتك الحلوة – ..................والله يباركك ويحرسك يا رفيقة قلبي الحبيبة. لا بأس – على أنني أخشى بلوغ النهاية قبل الحصول على هذا الشرف وهذا الثواب. لنعد هنيهة إلى ((عيدك)) أريد أن أعرف في أي يوم من أيام السنة قد ولدت صغيرتي المحبوبة. أريد أن أعرف لأني أميل إلى الأعياد وإلى التعييد. وسيكون لعيد ماري الأهمية الكبرى عندي. ستقولين لي ((كل يوم يوم مولدي يا جبران)) وسأجيبك قائلاً: ((نعم، وأنا أعيّد لك كل يوم، وكان لا بد من عيد خصوصي مرة كل سنة)). من جبران إلى مي ..!! لقد أعادت رسائلك إلى نفسي ذكرى ألف ربيع وألف خريف وأوقفتني ثانية أمام تلك الأشباح التي كنا نبتدعها ونسيرها مركبا إثر مركب .. تلك الأشباح التي ما ثار البركان في أوروبا حتى انزوت محتجة بالسكوت , وما أعمق ذلك السكوت وما أطوله ! . هل تعلمين يا صديقتي بأني كنت أجد في حديثنا المتقطع التعزية والأنس والطمأنينة , وهل تعلمين بأني كنت أقول لذاتي , هناك في مشارق الأرض صبية ليست كالصبايا , قد دخلت الهيكل قبل ولادتها ووقفت في قدس الأقداس فعرفت السر العلوي الذي اتخذه جبابرة الصباح ثم اتخذت بلادي بلادا لها وقومي قوما لها . هل تعلمين بأني كنت أهمس هذه الأنشودة في أذن خيالي كما وردت على رسالة منك ولو علمت لما انقطعت عن الكتابة إلي , وربما علمت فانقطعت وهذا لا يخلو من أصالة الرأي والحكمة من جبران لمي حضرة الأديبة الفاضلة. قد فكرت بأمور كثيرة في تلك الشهور الخرساء التي مرت بدون خطاب ولا جواب ولكنه لم يخطر على بالي كونك " شريرة" أما الآن وقد صرّحت لي بوجود الشر في روحك فلا يجمل بي سوى تصديقك فأنا أصدق وأثق بكل كلمة تقولينها لي ! أنت بالطبع تفتخرين بقولك – أنا شريرة – ويحق لك الافتخار لأن الشر قوة تضارع الخير بعزمها وتأثيرها . ولكن اسمحي لي أن أقول لك مصرحاً بأنك مهما تماديت بالشر فلا تبلغين نصف ما بلغته فأنا شرير كالأشباح الساكنة في كهوف الجحيم بل أنا شرير كالروح السوداء التي تحرس أبواب الجحيم ! وأنت بالطبع ستصدقين كلامي هذا !. غير أنني للآن لم أفهم الأسباب الحقيقية التي دعتك إلى استخدام الشر ضدي فهلا تكرمت بافهامي ؟ قد أجبت على كل رسالة تكرمت بها عليّ واسترسلت متعمقاً بمعاني كل لفظة تعطفت بهمسها في أذني فهل هناك أمر آخر كان يجب عليّ أن أفعله ؟ أو لم تبدعي لي من " لا شيء" ذنباً لتبيني لي مقدرتك على الاقتصاص ؟ لقد فلحت وأحسنت البيان , أما أنا فقد آمنت باقنومك الجديد الكلي المطلق الجامع بين أسياف " كالي" ربة الهند وسهام " ديانا" معبودة الأغريق . والآن وقد فهم كل منا ما في روح الآخر من الشر والميل إلى الاقتصاص فلنعد إلى متابعة الحديث الذي ابتدأنا به منذ عامين . كيف أنت وكيف حالك ؟ هل أنت بصحة وعافية ( كما يقول سكان لبنان )؟ هل خلعت ذراعاً ثانية في الصيف الماضي أم منعتك والدتك من ركوب الخيل فعدت إلى مصر صحيحة الذراعين ؟ أما أنا فصحتي أشبه شيء بحديث السكران وقد صرفت الصيف والخريف متنقلاً بين أعالي الجبال وشواطئ البحر ثم عدت إلى نيويورك أصفر الوجه نحيل الجسم لمتابعة الأعمال ومصارعة الأحلام – تلك الأحلام الغريبة التي تصعد بي إلى قمة الجبل ثم تهبط بي إلى أعماق الوادي . وقد سررت باستحسانك مجلة الفنون فهي أفضل ما ظهر من نوعها في العالم العربي , أما صاحبها فهو فتى عذب النفس دقيق الفكر وله كتابات لطيفة وقصائد مبتكرة ينشرها تحت اسم " ليف" ومما يستدعي الإعجاب بهذا الشاب هو أنه لم يترك شيئاً مما كتبه الافرنج إلا وعرفه حق المعرفة . أما صديقنا أمين الريحاني فقد ابتدأ بنشر رواية جديدة طويلة في مجلة فنون وقد قرأ لي أكثر فصولها فوجدتها جميلة للغاية ولقد أخبرت صاحب الفنون بأنك سوف تبعثين إليّ بمقالة ففرح وبات يترقب . بكل أسف أقول انني لا أحسن الضرب على آلة من آلات الطرب ولكنني أحب الموسيقى محبتي الحياة ولي ولع خاص بدرس قواعدها ومبانيها والتعمق بتاريخ نشأتها وارتقائها , فان ابقتني الأيام سأكتب رسالة طويلة في الدوائر العربية والفارسية وكيفية ظهورها وتدرجها وتناسخها . ولي ميل للموسقى الغربية يضارع ميلي للأنغام الشرقية فلا يمر أسبوع إلا وأذهب مرة أو مرتين إلى الأوبرا غير أني أفضل من البيان الموسيقي الأفرنجي تلك المعروفة بالسنفوني والسوناتا والكنتاتا على الأوبرا والسبب في ذلك خلوّ الأوبرا من البساطة الفنية التي تناسب أخلاقي وتتمايل مع أميالي . واسمحي لي الآن أن أغبط يدك على عودك وعودك على يدك وأرجوك أن تذكري اسمي مشفوعاً باستحساني كلما ضربت نغم النهوند على الأوتار فهو نغم أحبه ولي رأي فيه يشابه رأي " كارليل في النبي محمد ". ( كارلايل : أديب ومؤرخ انكليزي درس بعضا من العربية في جامعة كمبردج سنة 1795 وكتب عن النبي محمد فصلا ضمنه إعجابه بشخصيته البطولية في مؤلفه " الأبطال , عبادة الأبطال , والبطولة في التاريخ " وهلا تكرمت بذكري أمام هيبة أبي الهول ؟ عندما كنت في مصر كنت أذهب مرتين في الأسبوع واصرف الساعات الطوال جالساً على الرمال الذهبية محدقاً بالأهرام وكنت في ذلك العهد صبياً في الثامنة عشرة ذا نفس ترتعش أمام المظاهر الفنية ارتعاش الأعشاب أمام العاصفة , أما أبو الهول فكان يبتسم لي ويملأ قلبي بحزن عذب وندبات مستحبة . أنا معجب مثلك بالدكتور شميل فهو واحد من القليلين الذين انبتهم لبنان ليقوموا بالنهضة الحديثة في الشرق الأدنى وعندي أن الشرقيين يحتاجون إلى أمثال الدكتور شميل حاجة ماسة كرد فعل للتأثير الذي أوجده الصوفيون والمتعبدون في القطرين مصر وسوريا . هل قرأت الكتاب الفرنساوي الذي وضعه خير الله افندي خير الله ؟ أنا لم أره بعد وقد أخبرني صديق أن في الكتاب فصل عنك وفصل آخر عني فإذا كان لديك نسختان تكرمي بإرسال نسخة منهما إليّ وأجرك على الله . ها قد انتصف الليل فليسعد الله مساءك ويبقيك للمخلص ...!!