لم يسلم الشاب محمد الجندي والذي تحل ذكرى وفاته اليوم من تضارب تقارير الطب الشرعي، والتي بدأت بأنه قُتل نتيجة اصطدام سيارة بجسده، وذلك وفقا لتأكيدات مساعد كبير الأطباء الشرعيين عماد الديب الذي نفى وجود أي إحتمال لوفاة الجندي نتيجة التعذيب، كما نفى تعرضهم لأى ضغوط أثناء كتابة تقريرهم، ليصدر التقرير التالي عن اللجنة الثلاثية، مؤكدا أن الشاب قتل نتيجة تعرضه للتعذيب. وفي السياق تقدم محمد زارع، محامى أسرة الشهيد محمد الجندى، ورئيس المنظمة العربية للإصلاح الجنائى، بتقرير طبي استشاري إلى نيابة قصر النيل، لإرفاقه بأوراق القضية رقم 839 لسنة 2013 جنح قصر النيل، أعده الدكتور فخري محمد صالح، رئيس مصلحة الطب الشرعي وكبير الأطباء الشرعيين بوزارة العدل سابقًا، وخلص التقرير الاستشاري إلى أنه لا يوجد بجثة المتوفى محمد نبيل عبد العزيز الجندى من الإصابات ما يشير إلى حدوث تصادم بسيارة ميكروباص مسرعة، كذلك لا توجد بجثته أية إصابات أو علامات قد تشير إلى دهس بسيارة. وأكد التقرير الإستشاري أن معظم الإصابات بجسم المجنى عليه وخصوصاً الموصوفة بالكدمات المتسحجة بخلفية يمين الظهر وبخلفية المرفقين (الكوعين) ومقدم الركبتين قد حدثت الإصابات بها وكان خالعاً لملابسه أى دون أن تكون عليه ملابسه وخصوصاً الجاكت الجلد الأسود وتى شيرت بأكمام طويلة أو البنطال، وأن ما وصف بأنه وجود لكسر شرخى بيمين عظام الجمجمة والكدمي بمقدم منتصف يسار الصدر وبالخاصرة اليسرى، فإنها إصابات رضية قد حدثت كل منهم من المصادمة والضرب بجسم أو أجسام راضه محددة الأبعاد نسبياً وتحدث من مثل الضرب بالأيدى أو الأرجل (الأقدام) وقد تصاحبت هذه الإصابات الرضية بالرغم من اختلاف مواضعها بكسر شرخى بيمين عظام الجمجمة وبالأضلاع اليسرى. وأرجع التقرير الإستشاري وفاة الجندي إلى الإصابات الرضية بالرأس والصدر وما أحدثته من كسر شرخى بيمين عظام الجمجمة وما أحدثه من نزيف بالمخ مقابل الفص الأيمن للمخ وكسور بالأضلاع اليسرى مصاحب بنزيف بالتجويف الصدري وما صاحب الحالة من حدوث تدهور حاد بوظائف المخ والتنفس والقلب. إلا أن تقرير اللجنة الثلاثية والتقرير الإستشاري الذي أكد وفاة الجندي نتيجة تعرضه للتعذيب لم يكن كافيا لإنصاف دم الشاب الراحل والقصاص له، وهو ما أكدته شهادات الشهود على واقعة تعذيب الجندي أيضا، لتشكل النيابة لجنة خماسية جديدة لكتابة تقرير جديد عن وفاة الجندي دون مشاركة الطب الشرعي الذي أصدر التقريرين الأولين، ليعود التقرير الرسمي الثالث سيرة التقرير الأول، ويؤكد أن وفاته نتجت عن حادث سيارة، نافيا صحة ما ورد بتقرير اللجنة الثلاثية بالطب الشرعي، التي كانت انتهت إلى أن الواقعة لم تنتج عن حادث سيارة، وإنما نتيجة استعمال العنف والقسوة. وقالت اللجنة الخماسية في تقريرها الذي سلمته للنيابة" اللجنة بحثت التقرير الأول للصفة التشريحية عن الحادث، الذي كان انتهى إلى أن الوفاة نتيجة حادث سيارة، ثم فحصت تقرير اللجنة الثلاثية للطب الشرعي، الذي أشار إلى أن الوفاة نتيجة استخدام العنف وليس حادث سيارة، وانتهت إلى أن الوفاة نتجت عن حادث سيارة، وأن (الجندي) لم يتعرض لاعتداء أو عنف، والحادث تم أثناء ارتدائه ملابسه، ولم يكن متجردًا منها". وأضاف التقرير أن اللجنة فحصت كافة الأوراق والتقارير الطبية، وملابس المجني عليه، وتبين من خلالها أن الجروح الموجودة في جسد «الجندي» نتيجة ارتطامه بجسم صلب، وليس نتيجة التعذيب، وأشار التقرير إلى أن الجروح تسير في اتجاه واحد، أما بالنسبة للحروق النارية الموجودة بجسده، فهي نتيجة احتكاك جسم الضحية على الأسفلت، نافيا أنه كان مكبلاً بقيود حديدية، وأنه خُنق بسلسلة حديدية من رقبته. أما شهادة شريف البحيري شاهد الإثبات في قضية محمد الجندي، والذي قال في تصريحات إعلامية حينها أن النيابة والأمن رفضوا إصطحابه للمكان الذي وقعت فيه الجريمة وأتوا به إلى مكان أخر بالجبل الاحمر، وأنه تلقى تهديدات بالقتل إن لم يغير شهادته، ونفيه أن تكون له علاقة مسبقة بالشهيد محمد الجندي، وأنه كان متواجد أثناء واقعة تعذيب محمد الجندي وغادر المكان بعد إنتهاء واقعة التعذيب، وإدلائه بمواصفات الضابط، فذهب مع تقارير تعذيب الجندي. وكان البحيري قد أكد في شهادته أنه شاهد واقعة تعذيب الجندي ، حيث كان الضابط يحاول خنق الجندي بالسلسلة التي كان يرتديها الاخير وبعد تعذيبه قام الضابط بإلقاء مياه عليه ليفيق بعدما نزف من أنفه ولكنه دخل في حالة إغماء، وأنه عثر عليه بعدها في الشارع في غيبوبة وتم نقله إلى مستشفى الهلال، وذلك عقب ثلاثة أيام من إختفائه من التحرير. وفي متاهة تقارير الطب الشرعي تضييع حقوق الشهداء، لم يتوقف دورها بوفاة الجندى، ولكنه طال شهداءً آخرين، فوفقا لشهادة المحامية بالمجموعة المتحدة أسماء أبو عرب، فإن الطب الشرعي رفض السماح لأسر ومحامي64 من شهداء الذكرى الثالثة لإحياء الثورة بحضور التحقيقات، كما لم يتحفظوا على الطلقات النارية لتحديد نوعها وتحديد من قتل الشهداء الذين قتلوا جميعا برصاص حي. وسبق وامتد عمل هيئة الطب الشرعي إلى مئات من ضحايا فض إعتصامي رابعة والنهضة، والتي إلى جانب ان التقارير لم تحدد أسباب وفاتهم، قال شهود عيان إن المصلحة كانت تجبر ذوي الضحايا على التوقيع بأن سبب وفاتهم هو إنتحارهم، وكما تم إهدار الحقوق القانونية والإنسانية بعد أن تركت جثثهم ساعات طوال في مكان غير صالح للحفاظ على سلامة الجثث وحفظها من التحلل ما اضطر ذووهم إلى تبريدها بالثلج ونثر البخور على الأجساد التي بدأت بالتحلل، حتى لجأ عدد منهم إلى أخذ جثث ذووهم لدفنها بعيدا عن التقارير، وهو ما وثق بضبط قوات الأمن أكثر من جثة في سيارات على الطريق دون تصاريح دفن.